موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٧ سبتمبر / أيلول ٢٠١٧
لوثة المال والجاه

د. صلاح جرّار :

يمكن تقسيم الناس عند حصولهم على المال أو الجاه أو كليهما إلى أنواع، فمنهم من يتكتّم على ما حقّقه خوفاً من الحسد وطمع الطامعين، وقد يصيب مالاً كثيراً إلاّ أنّه لا يظهر عليه أثر النعمة مطلقاً، بل إنّه يحافظ على ملابسه الرثّة وهيئته المترهّلة، ويحاول أن يحرم أولاده ونفسه من بعض الاحتياجات الأساسية.

ومنهم من يحافظ على توازنه عند حصول الغنى والجاه ولا تغيّره المناصب ولا يتغيّر احترامه للناس وتواضعه لهم، وهؤلاء هم الواثقون بأنفسهم وقدراتهم، وهم ممّن يرون أن المال لا يرفع من قدر الإنسان إذا لم يكن قدره رفيعاً بذاته.

ومنهم من تصيبه لوثة المال أو الجاه، فيتضخّم ويصيبه شعور بالعظمة حتّى لو كان ما أصابه من المال قليلاً، وأغلب هؤلاء ممّن أصابهم الغنى بعد جوع وفقر، فيجدون في أيّ امتلاء لجيوبهم أو امتلاك لفرصهم أمراً عظيماً، ممّا يصيبهم بمرض نفسي من أعراضه التعالي والغرور وحبّ الظهور والميل إلى استعراض الإمكانيات المالية وقوة النفوذ. وتتفاقم هذه الأعراض سريعا عندما يذهب هذا المثري إلى التطاول على الناس والإساءة إليهم ومحاربة الناجحين وخاصّة المتعلمين ومحاولة الانتقاص من المتفوقين والتقليل من شأنهم. وقد يبلغ بهم الأمر أن يحاولوا إعاقة نجاح أقرب الناس إليهم من أخوتهم وأبنائهم وبناتهم وزوجاتهم حتّى لا يتقدّم عليهم أحد. ومثل هؤلاء لا يكفّ في مجالسه ولقاءاته عن الحديث عن أمواله المودعة في البنوك وعقاراته الباهظة القيمة وشركاته واستثماراته مع إضفاء شيء من الأهميّة والتفرّد والتميّز ممزوجاً بالكذب والمبالغة. ومثل هؤلاء لا يتورعّون عن إلحاق الأذى حتّى بفلذات أكبادهم والتضحية بهم من أجل الاستمرار في الظهور بمظهر الثريّ والوجيه وصاحب النفوذ.

وما ينطبق على من يحققون الثراء من هذا الصنف ينطبق أيضاً على من يحققون الجاه، فإذا عيّن أحدٌ منهم في منصبٍ لم يكن يحلم به فإنه ينقلب إلى شخص مختلفٍ تماماً، ولا يكاد يصدّق نفسه وهو يرى الناس تحتاج إلى قراراته وبعضهم يتملقّونه ويتقربون إليه ويسعون إلى كسب رضاه ويتسابقون إلى خدمته، فتصيبه حالة من التضخّم والشعور بالأهميّة، وربّما اعتقد بأنّ لديه من صور التميّز والتفوّق على سائر الناس ما ليس لدى غيره، ولا سيّما أنّ المنافقين من حوله يبالغون في مدح ما يصدر عنه من أقوال وآراء وأفعال وقرارات، فتصيبه على إثر ذلك لوثة الجاه، ويأخذ في النظر إلى غيره من أصحاب الفكر والرأي والعلم والمسؤولية نظرات ازدراء واستخفاف، ويسعى إلى الانتقاص منهم ومن قدراتهم وإنجازاتهم، ويحاول إبعادهم عن طريقه، حتّى لو كانوا أقرب الناس إليه، حتّى لا يخطف أحدٌ الأضواء منه أو يتفوق عليه. وهذا الصنف من المسؤولين المصابين بلوثة الجاه قد تجدهم في مختلف مستويات المسؤولية من رئيس شعبة في محل تجاري صغير إلى رئيس جمهورية في بلد عظيم.

وسواءً أصابت هذه اللوثة أصحاب المال أو أصحاب الجاه فإنها تكون في أغلب الأحيان سبباً في خراب أحوالهم وأحوال المجتمعات أو البلدان التي ينتمون إليها.

(نقلا عن الرأي الأردنية)