موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٨ يناير / كانون الثاني ٢٠١٥
لنبدأ مواجهة خطاب التطرف

العرب اليوم :

نتفق مع كل رأي يؤكد قيم التسامح والوسطية التي يتمتع بها عموم المجتمع الاردني، إلا ان هذا لا يمنعنا من التأشير للدولة الى نقاط يجب الالتفات اليها في خطتها الفكرية لمواجهة خطاب التطرف والكراهية، والخطاب الذي لا ينسجم مع خطاب الدولة المعتدل، يقوم به اشخاص يعملون في مؤسساتها، ولا ينسجمون مع خطابها المعلن، بل يقدمون خطابا متناقضا مع الخطاب الرسمي.

في وزارة الاوقاف، هناك العديد من خطباء المساجد، داخل العاصمة وخارجها، يقدمون خطابا دينيا لا ينسجم مع الخطاب الذي تُوجِّه به الدولة الاردنية، ولا وزارة الاوقاف، اسبوعيا، بل يصل الامر لدى بعض الخطباء الى الاشهار بدعم الارهاب، ويعتبرون ذلك جزءا من الدعوة، وبعضهم يدْعون في نهاية خطبة الجمعة الى نصرة المجاهدين في "العراق والشام". ويختصرون الدعوة للمجاهدين في "العراق والشام" حتى تكون رسالتهم واضحة تصب في مصلحة ما يسمى "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، ولا يتجرأ حتى الان الخطباء الى مناصرة داعش، لكن اذا تركت الامور من دون توجيه، فسوف تتم الدعوة بالنصر لتنظيم داعش من على المنابر الاردنية، ومن خطباء وزارة الاوقاف الذين يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة الاردنية.

في المؤسسات التعليمية المعنية بالتعليم العالي، في الجامعات تحديدا، هناك مدرسون يقدمون خطابا متطرفا، بلغة مسكونة بالكراهية، ينسجم مع خطاب التنظيمات الارهابية، وينسجون علاقات مع طلبة التخصصات العلمية تحديدا، من اجل كسبهم الى صف الخطاب الذي يدعون اليه، ولا يتورعون الى دعوة الطلبة للالتحاق بدروس الدعوة التي يقدمونها في المساجد بعد الصلاة، هؤلاء تحديدا يجدون حاضنة تتقبل دعواتهم، خاصة انهم يتبعون خطابا شبابيا، يبدو في ظاهره متنورا، يعتمد على وسائل التواصل الحديثة.

في وزارة التربية، هناك معلمون ومعلمات، خاصة من المحسوبين على خط الاسلام السياسي، لهم علاقة ما باحزاب دينية، لا يخفون تعاطفهم مع ممارسات التنظيمات الارهابية، ويخلطون بقصد بين الدين الاسلامي السمح، وبين التيارات الاسلامية، وان ما يجري في العالم جزء من المؤامرة على الدين.

لا نقول هذا الكلام دعوة لتكميم الافواه، ولا حتى توجيههم للخطاب المعادي لداعش، لكنها دعوة للتفاهم مع هؤلاء العاملين في مؤسسات الدولة، بان ما يقومون به يتناقض مع اولويات الدولة التي يعيشون فيها، ومع الجهات التي تسمح لهم بالخروج الى الناس لمخاطبتهم في ما يمس حياتهم، وليست المنابر والجامعات والمدارس منصات ترويج لفكر متطرف لا ندري الى اين ستصل بنا الامور بسببه.

هناك تقصير شديد ممن يدّعون الاعتدال في تيار الاسلام السياسي بعدم كشف ممارسات داعش وان ليس لها علاقة بالاسلام المتسامح، ولا نعتقد ان هذا التقصير عبثي، بل هو في صلب فكر هذا التيار المعتدل، لانه في حقيقة الامر لا يختلف كثيرا عن فكر داعش، لهذا لا ينتقده ولا يدينه ولا يهاجمه باية طريقة كانت، لا بل يصمت عليه.

لم نسمع حتى الان ادانة مباشرة من قبل جماعات الإسلام السياسي، الاخوان المسلمون على رأسهم، يدينون ممارسات داعش، وان تم حشر اي من قياداتهم في زاوية الاجابة المباشرة، يدْعون لهم بالهداية، ويحمّلون الانظمة مسؤولية ولادة هذا التطرف.

صحيح ان الانظمة المستبدة تتحمل مسؤولية ولادة داعش والتطرف، لكن الاسلام السياسي الناعم يتحمل مسؤولية خطف الاسلام والحديث باسمه من قبل داعش واشكاله المتعددة، فالجميع شركاء في صناعة هذه الوحشية ضد الانسانية.

واهِمٌ من يظن أن لا حواضن اجتماعية للفكر المتطرف في مجتمعنا، لهذا علينا أن نبدأ المواجهة الفكرية، اليوم قبل الغد.