موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٤ فبراير / شباط ٢٠١٥
لم يخافوا ممن يقتلون الجسد

د. ندى الحايك خزمو :

"وقَبلَ هذا كُلِّه يَبسُطُ النَّاسُ أَيدِيَهُم إِلَيكمُ، ويَضطَهِدونَكم، ويُسلِمونَكم إِلى المَجامِعِ والسُّجون، وتُساقونَ إِلى المُلوكِ والحُكاَّمِ مِن أَجْلِ اسمي. فيُتاحُ لكم أَن تُؤَدُّوا الشَّهادَة (لوقا 21/ 12- 13)

وهم قد أدوا الشهادة.. عشرون مصرياً قبطياً في ليبيا.. الذين قتلوا بدم بارد على يد ارهابيي "داعش"، وهم يرددون اسم يسوع له المجد، لم يخافوا الموت لأنهم يؤمنون بأن الله معهم، فلم يخافوا رغم رهبة الموت، وفظاعة الأسلوب الذي قتلوا به.. وعملوا بالآية من الانجيل المقدس "وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ" (إنجيل متى 10: 28). وهم لم يخافوا من ارهابيي "داعش" بل لم يفقدوا ايمانهم واتكلوا على الله تعالى الذي يعاقب كل من تمتد يديه لقتل الأبرياء لا لشيء سوى أنهم مسيحيون.

فان كان لقب "مسيحيون" أو كما يلقبون المسيحيين "نصارى" هم كفار يستوجبون القتل، فانها لكل مسيحيي هي مصدر فخر وعزة.. والصليب هو مصدر قوته ..فلا يخاف أن يستشهد في سبيل ايمانه.

لا نستهجن أن يرتكب مثل هؤلاء الارهابيين، وللأسف باسم الله عز وجل، هذه الجرائم، لأنهم قتلة لا يعرفون دين أو أخلاق أو انسانية، ولا يسعون الا لتنفيذ مخططات أسيادهم أمثال الرئيس الأميركي أوباما، وزعيم اسرائيل نتنياهو، فلو انهم يعرفون تعاليم الدين الاسلامي الصحيح، دين التسامح، فلن يرتكبوا مثل هذه الجرائم البشعة التي تقشعر لها الأبدان، فحتى المسلمون لم يسلموا من أيديهم، وبخاصة وقد حرقوا مؤخراً أيضاً الطيار الأردني معاذ كساسبة بدم بارد.. بل وتفاخروا بطرق قتلهم وصوروها ونشروها بهدف اخافة كل من لا يخنع ويخضع لهم، وهم لا يعلمون ان المؤمن الحقيقي لا يخاف الموت في سبيل مبادئه وتعاليمه الدينية الحقيقية، ان كان مسيحياً او مسلماً.

نعم نحن لا نستهجن ما يقوم به هؤلاء الارهابيون، ولكننا نستهجن ما تقوم به أمريكا ودول الغرب الذين أسسوا هذا التنظيم الارهابي "داعش" حيث اعترفت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون بكل عنجهية بأن الادارة الاميركية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" المعروف بـ"داعش"، لتقسيم منطقة الشرق الأوسط، وذلك في في مذكراتها "خيارات صعبة" التي نشرت مؤخراً، بحسب موقع الفرات العراقي، وقالت أيضاً: "تم الاتفاق على اعلان الدولة الاسلامیة یوم 5/7/2013، وکنا ننتظر الاعلان لکي نعترف نحن واوروبا بها فورا". وأضاف الموقع العراقي، أن كلينتون قالت في مذكراتها: "کنت قد زرت 112 دولة فى العالم.. وتم الاتفاق مع بعض الاصدقاء على الاعتراف بـ"الدولة الاسلامیة" حال اعلانها فوراً".

نستغرب أن يقوم اوباما ودول الغرب، وهم يدعون أنهم مسيحيون، بتأسيس مثل هذه التنظيم الارهابي، وهم يعلمون كل العلم، بل ويدركون جيداً بأنه سيقوم بمحاربة مسيحيي الشرق بكل قوتهم، فان هؤلاء الارهابيين سيجدون، من خلال تنفيذ مخططات أسيادهم، فرصة لهم لتنفيذ مخططاتهم الاجرامية بالقضاء على كل ما يسمى "مسيحي" في الدول العربية، لذلك فالدين المسيحي براء من أمثال أوباما وحلفائه.

والأنكى من كل ذلك أن أوباما قام بتشبيه تنظيم "داعش" "والتطرف الذي يحمله بتطرف "الصليبيين" خلال الحملات الصليبية، فكيف يقوم بمثل هذه المقارنة التي لا تليق بأن يقوم شخص يدعي انه مسيحي بالتفوه بها، ونؤكد على تصريح السياسي الأميركي ريك سنتورم بأن أوباما "وجه الإهانة لجميع المؤمنين" متجاهلا خطر "داعش"، وبأن تصريحات أوباما غير مناسبة، وهي مهينة لكل المؤمنين، في وقت يتعرض فيه المسيحيون للصلب والاضطهاد وقطع الرؤوس بالشرق الأوسط"، لأننا على ثقة بأن من اتخذوا الصليب شعاراً لهم، قد ارتكبوا خطيئة كبرى باستخدام مثل هذا الشعار الذي يحمل كل معاني المحبة والتضحية وليس القتل والتنكيل، وبأن "الصليبيين" قد حاربوا المسيحيين العرب قبل المسلمين أثناء حملتهم واعتدوا عليهم وقتلوهم.

لا أعلم كيف يرتضي أوباما وأمثاله على أنفسهم أن يتم قتل الأطفال والنساء والشيوخ والشبان من المسيحيين وغير المسيحيين.. صمتوا على اسرائيل وهي ترتكب الجرائم الوحشية بحق الفلسطينيين، وها هم يؤسسون منظمات ارهابية مثل "داعش" وغيرها ويصمتون عليها وهي تنكل، تذبح، وتحرق، وترتكب المجازر بحق المسيحيين وحتى المسلمين من دون رحمة أو شفقة.

وتضحك أمريكا على عقول الناس بأنها تحارب "داعش" وارهابها.. أرسلت وحلفاؤها بضع طائرات تقصف، فلماذا لم تستطع حتى الآن القضاء عليها والقاء القبض على زعمائها كما فعلوا مع بن لادن وغيره.. فهم حقيقة لا يريدون القضاء على تنظيم "داعش"، بل يريدون ابقاءه لتنفيذ مخططاتها الدنيئة.. ولكنهم لا يعلمون بأن "داعش" سترتد عليهم.. فمن حفر حفرة لأخيه وقع فيها.

وأخيراً نقول: ان دماء كل شهيد مسيحي، ان كانوا من الأقباط أو غيرهم من مسيحيي الشرق الذين رفضوا أن يرتدوا عن ايمانهم ودينهم، بل وارتضوا الشهادة، ستظل دماءهم التي روت أراضي بلادهم، شاهداً على ايمان حقيقي لا ولن تنزعه من قلوبهم أية قوة على الأرض. وكما قالت والدة أحد الأقباط الذين استشهدوا: "انا اثق ان دماء شهداء القرية ستملأ السماء نورا لتمسكهم بايمانهم".

*كاتبة وصحافية في مجلة البيادر المقدسية