موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٨ يوليو / تموز ٢٠١٦
لماذا خفتت أصواتنا عند نحر القس ؟

ماهر ابو طير :

عشرات ملايين العرب والمسلمين يعيشون في اوروبا واميركا واستراليا وكندا، وكل هؤلاء هربوا من ظروف مأساوية وفقر، الى بلاد قدمت لهم كل شيء، وحصلوا فيها على جنسياتها ومواطنتها، اضافة الى حقوقهم الطبيعية.

كل هؤلاء يتضررون امام هول العمليات التي يقوم بها افراد، ولم يعد كافيا ان نقول ان هؤلاء لا يمثلوننا، وعلينا ان نقرأ فقط، ردود الفعل الباهتة على نحر القس في فرنسا، بسكين، وهو الذي قدمت كنيسته مالا قبل ستة عشر عاما لبناء مسجد، في تلك المنطقة.

تعجب من ردود الفعل الباهتة، حتى ان البعض يخرج ويقول لك ان الغربيين المسيحيين يذبحون المدنيين المسلمين طوال عمرهم، فلماذا نقيم الدنيا على القس، وذات اصحاب هذا الرأي يقفون ليل نهار على ابواب سفارات العالم الغربي تسولا لتأشيرة؟!.

لا يمكن ان نحمل ثارات عمرها مئات السنين، اولا، من احتلالات مرت، ولو كانت كل الامم تحمل الثارات، لما انتهينا من المواجهات، ثم ان هذه الدول لم تجبر احدا على الذهاب اليها، بل بذل كثيرون، كل جهودهم من اجل دخولها والاستقرار فيها، والمنطق يقول ان على المرء احترام البلد الذي يعيش فيه، واحترام بيئته وقوانينه، لا التحول الى قاتل ينحر بسكين قسا في كنيسة، ويقول للعالم انظروا الينا، نقتل الصغار والكبار، المحاربين والمدنيين، رجال الدين وغيرهم، فتضيع اصواتنا نحن الذين نقول ان هذا ليس هو الاسلام.

في هذا الملف تحديدا هناك رأي يقول لك ان الارهاب رد فعل على ما يفعله العالم في المنطقة، وبعض المراقبين يقول ان عليك ان تعالج اسباب الارهاب، لا نتائجه، والكل يريد ان يبحث عن مخرج نجاة، ولا يريد ان يعترف اننا نبدو بصورة سيئة جدا امام العالم، حين نقتل بعضنا البعض اولا، ثم نقتل الاخرين، وقد آن الاوان ان نلتفت حقا الى بنيتنا الداخلية وما فيها من مسارب ومداخل وتكييفات.

اوروبا ذاتها واميركا سمحت للمسلمين ببناء الاف المساجد والمراكز الاسلامية، وهي ذاتها التي أمنت الناس في دمهم وحرياتهم، ومنحتهم فرصا للحياة، فما هو المنطق الذي يبيح لقاتل ان ينحر قسا بالسكين، او ان يدهس مدنيين في نيس، او غير ذلك من حوادث في العالم، وهل سيتوقف الغرب لحظتها عن التدخل العسكري بكل امكاناته المتفوقة، ام انه سيرسل المزيد من وسائل الدمار الى المنطقة ردا على هذه العمليات؟!.

الصوت الانساني الذي يندد بقتل طفل فلسطيني على يد الاحتلال الاسرائيلي، او طفل فلسطيني على يد تنظيم سوري، او موظف مدني او عسكري في الحكومتين السورية او العراقية، يجب ان يبقى بذات القوة ايضا، ضد مسّ امن الدول الاخرى ومسّ شعوبها، فالانسان لا يتجزأ، ومن يقل لك ان دمك حرام، ودم الاخرين حلال، يمنحك رخصة للقتل، ليس اكثر، والشعور بأن دمنا ازرق ومحرّم على الامم، فيما مسموح لنا سفك دم الاخرين، شعور مرضٍ.

اكبر واخطر مشكلة لا يواجهها احد اليوم، تلك المشكلة التي تقول ان شخصا نائما يصحو متحمسا صباحا ويرسل رسالة «مبايعة الكترونية» الى الخليفة البغدادي، والله يعلم الى اين تذهب فعلا، وهل تعني شيئا هذه المبايعة الالكترونية، ثم ينتشي الرجل بشعوره انه جزء من تنظيم الدولة، وينفذ عملية لا يمكن لاي جهاز امني في كل العالم ان يكتشفها مسبقا، لانها قرار فردي، ولا احد قادر على قراءة نوايا الناس، او الافراد مسبقا، ومثل هؤلاء ينتشرون بالالاف في كل مكان، وعلينا ان نتوقع عمليات كل فترة في كل بلد من بلدان العالم، ولا شك ان كل الاعلام العربي، ومؤسسات الدين الرسمية، فشلوا في اقناع الناس، ان كل هذا مخالف للدين، مما يعني ان المعركة مازالت في بدايتها.

مثلما غضبنا على رسم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، واعتبرنا ذلك مسّا بعقيدتنا، علينا ان نشهر موقفا ضد كل مساس ديني يخص الغرب، ايا كان شكله، في كنيسة او مؤسسة او عبر نحر قسيس، لسبب بسيط جدا، يقول ان علينا جميعا ان لا نسمح باختطاف الحياة وتحويلها الى جهنم حمراء في الارض، وان نراعي خصوصيات الاخرين حتى يراعوا خصوصياتنا، وحتى نبقى مثلا مختلفا.

من ذا الذي يجرؤ اليوم، ويخرج ليقول علنا، ان هناك مشكلة بنيوية في تأويل النصوص من فقهاء هذه الجماعات، بما يحض على قتل القس او الطفل او المدني، بسكين او سلاح او بحجر او حتى برميه من طابق مرتفع، مثلما نقرأ في فتاويهم وادبياتهم، بذريعة انهم يقتلون المدنيين عندنا بقصفهم وعملياتهم، وانه يحق لنا الرد....؟!.