موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٣٠ مايو / أيار ٢٠١٧
لماذا استهداف الأقباط؟

صالح القلاب :

لا يمكن إلاّ أن تكون وراء كل هذا الإستهداف الإجرامي المتواصل للأقباط، الذين هم ملح مصر وذاكرتها التاريخية ومحطة رئيسية ودائماً وأبداً في مسيرتها الحضارية الطويلة قبل الإسلام وبعده.. وإلى الآن، جهة مسيَّرة ومستخدمة من قبل طرف وأطراف مصرة على تشويه صورة أرض الكنانة هذه الدولة العربية التي بقيت تلعب الدور الرئيسي المميز دفاعاً عن هذه الأمة والتي قدمت من الشهداء من أجل فلسطين وحدها أكثر كثيراً من عدد سكان بعض الدول الـ«مايكروسكوبية» التي تحاول الوقوف على أطراف أصابع أقدامها من أجل الظهور بوضعية الدول التي تلامس هاماتها غيوم السماء.

إنَّ الأقباط في مصر ليسوا مجرد رقم زائد، وأنهم بالنسبة لأرض الكنانة مثلهم مثل نهر النيل العظيم الذي إن هو غيَّر مجراه أو توقف عن جريانه المتواصل ولو للحظة واحدة فإن هذا البلد الذي قدم للحضارة الإنسانية ما لم يقدمه أي بلد آخر سيفقد لحظة تاريخية أو لحظة التاريخ إلى الأبد ولهذا فإن هؤلاء الذين يستهدفون ملح أرض الكنانة ونيلها وذاكرتها التاريخية ووجدانها الإنساني لا يمكن إلاَّ أن يكونوا مجرمين وقتلة وحتى وإن كانوا بذقون مسترسلة أو بدون ذقون وحتى وإنْ إرتكبوا كل هذه الجرائم التي إرتكبوها والتي يرتكبونها بإسم الدين الإسلامي العظيم الذي هو دين الرحمة والتآخي ودين: ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق.

ربما أن هؤلاء المجرمين القتلة، الذين ستكشف الأيام غير البعيدة من هُمْ ومن يقف وراءهم من الأقزام الذين يستخدمونهم ليظهروا بقامات أطول كثيراً من قاماتهم الحقيقية، لا يعرفون أنه يكفي الأقباط الذين قدمهم في مصر من قدم إهرامات الجيزة وأبو الهول ومن قدم وادي النيل... أنهم أعطوا لأرض الكنانة وللأمة العربية – ولفلسطين الأب شنودة وقائد الفرقة 18 في الجيش المصري العظيم.. الصعيدي ابن المنْيا الجنرال فؤاد عزيز غالي الذي دمَّر خط بارليف في حرب تشرين الأول عام 1973 البطولية والذي بقي ملتصقاً مع قواته بأرض سيناء بعدما إهتزت موازين القوى العسكرية ومكَّن الدعم والتدخل الأميركي شارون مع بعض قواته من الوصول إلى بعض مواقع غربي قناة السويس.

هناك مثل يقول: «قلْ لي من هو المستفيد أقول لك من الفاعل».. وحقيقة أن أول مستفيد من إستهداف الأقباط.. ملح أرض الكنانة، هو إسرائيل، حتى وإنْ هي ليست المرتكب المباشر لهذه الجرائم، التي هناك كثيرون يعرفون الذين يرتكبونها والذين يمولونها ويقفون وراءهم، إذْ أن بإمكان الإسرائيليين أن يقولوا للضاغطين عليهم في الغرب أنه إذا كان المسلمون والعرب يستهدفون الأقباط وعلى هذا النحو فكيف تريدون منا أن نتخلى عن حدودنا الآمنة وقنابلنا النووية وأن نطمئن على مستقبل أطفالنا وأجيالنا في هذه المنطقة ؟!.

ثم وإن المستفيدين أيضاً هم الذين إعتصموا في رابعة العدوية ورفعوا شعار الجهاد ليس ضد إسرائيل والعدو الصهيوني وإنما ضد مصر على إعتبار أنها إما أن تكون لهم وإما أن تغرق في الفوضى والدماء ثم وأيضاً فإن المستفيد هو أولئك المتورمون بداء العظمة الفارغة والذين لا يتورعون عن الإستعانة بهذه الجرائم ليفرضوا أنفسهم كرقم فاعل في هذه المنطقة.

وهكذا فإن المفترض أن يعتبر العرب كلهم.. والمسلمون الصادقون أيضاً أن إستهداف الأقباط المسيحيين، المجبولة دماء أجدادهم ومنذ بداية التاريخ بتراب أرض الكنانة الطهور وبمياه نهر النيل المقدس، هو إستهداف لهم وإن عليهم ألاّ يكتفوا بمجرد التنديد الكلامي بهذه الجرائم وأن يقفوا إلى جانب مصر.. أم الدنيا بالأفعال وبشجاعة الأقوال وشجاعة الأقوال هي وضْع الأصبع في عين الفاعل وأيضاً في عين الذي يقف وراءه.

(نقلاً عن الرأي الأردنية)