موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٦ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٥
لا تقتلوا فرحة العيد في وطني

المطران عطالله حنا :

لقد بدأنا ندخل تدريجيا في مرحلة الاستعداد لعيد الميلاد المجيد عيد ميلاد ملك السلام والمحبة وهو عيد يعتبر في فلسطين عيد وطني، لان ذاك الذي نحتفل بميلاده ولد في بلادنا وتحديدا في مدينة بيت لحم، ويحتفل بهذا العيد كافة ابناء شعبنا الفلسطيني مسيحيين ومسلمين، ومن فلسطين ارض القداسة والوحي انطلقت رسالة الفادي الى كافة اصقاع الدنيا في مشارق الارض ومغاربها.

ان عيد الميلاد كما هي كافة الاعياد هي مساحة فرح وامل ورجاء وخاصة لشعبنا الفلسطيني في ظل هذه الظروف الراهنة حيث القمع والظلم الاحتلالي متواصل بحق ابناء شعبنا.

ان الاحتلال البغيض يريد ان يقتل فرحة العيد في بلدنا، وهنالك تقييدات غير مسبوقة للدخول الى بيت لحم في هذا العيد، إنها اجراءات هادفة لعرقلة احتفالاتنا والتعبير عن ابتهاجنا بعيد ميلاد ملك السلام والمحبة.

ان الاحتلال الذي يقتل شبابنا ويعتدي على مقدساتنا ويستهدف قضيتنا الوطنية لا يريدنا ان نشعر بفرحة العيد، ولا يريدنا ان نعبر عن ابتهاجنا بميلاد السيد المسيح الاتي الينا مناديا بقيم العدالة والاخوة والمحبة بين الناس.

ان ملك السلام يولد في عالمنا لكي يزيل الحواجز والاسوار التي تفصل الناس عن بعضهم البعض، في حين ان الاحتلال العنصري يبني اسوارا عنصرية ويضع الحواجز العسكرية ويفصل الانسان عن اخيه الانسان في محاولة هادفة لإدخال اليأس والاحباط الى قلوبنا ونزع الامل والرجاء من حياتنا.

انني اود ان اسجل تحفظي على الاعلان الذي صدر من عدة مراجع نحترمها ونقدر مواقفها ونعتبر ان نيتها صادقة، اذ انني اتحفظ على اعلان اقتصار العيد على الشعائر الدينية، ذلك لأنه لا يجوز اختزال العيد في شعائر وطقوس فحسب، فعيد الميلاد هو عيد انفتاح على العالم هو عيد تضامن مع كل انسان مكلوم ومحزون، هو عيد لكي ننقل فيه الابتسامة والسعادة الى كل اسرة حزينة والى كل انسان متألم.

ان عيد الميلاد كما هي كافة اعيادنا الدينية والوطنية هي مناسبات لائقة لنا كفلسطينيين لكي نعبر فيها ومن خلالها عن تشبثنا بوطننا وتأكيدنا على اننا نعشق الحياة، ولن نتأثر بالسياسة الاسرائيلية التي تريدنا ان نعيش في بوتقة اليأس والقنوط، فبالرغم من كل آلامنا واحزاننا وجراحنا سنعيد لكي نوصل رسالة الى كافة ارجاء العالم بأننا شعب يعشق الحياة ويحب الحياة ولن يتنازل عن حقه في ان يعيش بحرية وكرامة في وطنه.

ان عيد الميلاد هو عيد الامل والرجاء والمحبة وهو عيد تجسد محبة الله نحو الانسان، انه عيد مرتبط بفلسطين وخاصة مدينة بيت لحم، والعالم بأسره في هذا اليوم يلتفت الى فلسطين ارض التجسد والفداء، ارض المحبة والسلام، ارض الرجاء والامل.

لا تحرموا اولادنا من فرحة العيد فكفانا ما حل بنا من الاحتلال، طبعا هنالك مظاهر احتفالية معينة يمكن اختصارها في ظل الوضع الراهن، ولكن يجب ان يبقى الطابع الاحتفالي للعيد، وان تكون رسالتنا للاحتلال: "انتم تريدون عزل مدينة بيت لحم، وقتل العيد في وطنه، ونحن نقول بأن عيدنا سيبقى عيدا نستذكر فيه من آتى الينا حاملا رسالة السلام والمحبة، ونستذكر فيه شهدائنا الابرار، واسرانا القابعين خلف القضبان، ونستذكر فيه شعبنا الفلسطيني في كل مكان، وسيبقى عيد الميلاد عيد نعبر فيه عن وطنيتنا الصادقة وانتماءنا الذي لا لبس فيه لهذه الارض المقدسة".

نحن المسيحيون الفلسطينيون نفتخر بمسيحيتنا المشرقية وبهويتنا العربية الفلسطينية، نحن مسيحيون 100%، وفلسطينيون 100%، ولا يحق لأي أحد ان يزاود علينا أو ان يشكك في وطنيتنا. اقرأوا التاريخ لكي تكتشفوا دور المسيحيين العرب في الحياة الوطنية والثقافية والفكرية والابداعية.

نحن لسنا بحاجة للاعلان عن اقتصار العيد على الشعائر الدينية لكي نعبر ونبرهن عن وطنيتنا وعن انتماءنا لهذه الارض، لا بل نحن من خلال هذا العيد نؤكد انتماءنا وتشبثنا بكل حبة تراب من ثرى فلسطين الطاهرة. ان دماء شهدائنا هي عنوان كرامتنا والمسيحيون والمسلمون كانوا دوما وسيبقون كذلك في ساحات النضال في مواجهة الاحتلال.

نحن اقوياء بإيماننا وتعلقنا بهذه الارض، وعيد الميلاد هو عيد نؤكد فيه اننا لن نفقد الامل بمستقبل مشرق لوطننا وشعبنا، فيه الحرية والكرامة والاستقلال.

ان الاحتفالات الميلادية في هذا العام يجب ان تحمل في طياتها الطابع الوطني التضامني مع شعبنا المظلوم تكريما لشهدائنا واسرانا القابعين خلف القضبان، فعيدنا ليس مقتصرا على طقوس تقام بين جدران مغلقة وانما هو عيد انفتاح على المجتمع نعبر فيه عن محبتنا وتضامننا مع كل انسان مكلوم.

لن نستسلم للاحتلال الذي يريد ان يقتل الامل فينا، ولا يريدنا ان نشعر بفرحة العيد وبهجته انها عنصرية مقيتة تريدنا ان نكون في حالة احباط ويأس دائم.

عيد الميلاد كما هي كافة اعيادنا الدينية والوطنية هي رسالة للعالم اننا شعب يعشق الحياة ولا يعشق الموت، يعشق الحرية ولا يعشق العبودية انها الحياة والحرية التي بشر بها المسيح بميلاده.

في عيد الميلاد في فلسطين وفي بيت لحم وفي كافة المدن والبلدات الفلسطينية تتجلى الوحدة الوطنية الاسلامية المسيحية، وهي رسالة من قلب فلسطين الى وطننا العربي الذي يُدمر بفعل الفتن والنزاعات والصدامات، انها رسالة الوحدة الوطنية من ارض الميلاد بأننا سنبقى امة عربية واحدة وشعبا فلسطينيا واحدا يناضل من اجل الحرية والكرامة والاستقلال.

لا تجعلوا من عيد الميلاد طقوسا دينية فحسب، بل اجعلوا منه عيد فرح وامل ورجاء في نفوس ابناء شعبنا.

"لا تقتلوا فرحة العيد في وطني"