موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٥ سبتمبر / أيلول ٢٠١٤
لا تخافوهم

عفيف شليوط :

صدر مؤخراً كتاب للدكتور حاتم خوري بعنوان "تواقيع على الرمل – حكاية جمعية أبناء أبرشية الجليل مع الرئاسة الكنسية"، وفور استلامي للكتاب قرأته بشغف ، صفحة صفحة، ووثيقة وثيقة، حيث يكشف هذا الكتاب حقائق مثيرة ومعلومات مقلقة بما يتعلّق ببيع أوقاف الروم الكاثوليك في البلاد، وحول محاولات جمعية أبناء أبرشية الجليل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أملاك الأبرشية، وموقف الرئاسة الكنسية وصدّها للأبواب في وجه من حاول وقف عمليات بيع الأوقاف. قرأتُ هذا الكتاب وأنا أتألم ، قرأتُ هذه الوثيقة التاريخية مستذكراً المتباكين على هجرة المسيحيين العرب من البلاد لأقول لكم، لا تسمعوا ما يقولون بل انظروا الى ما يفعلون. قرأتُ هذا الكتاب الوثيقة، الصرخة ، وكلي أمل أن تكون هذه الصرخة مدويّة ، عالية، لا صرخة في واد. وحتى لا تكون قراءتنا للكتاب مثل "التواقيع على الرمل"، دعونا نبحر في عالم هذا الكتاب سوية، لنضع الإصبع على الجرح، ولنخرج من أزمة أقضّت مضاجعنا ولم تقضّ مضاجع مرتكبيها، لنتعلّم من هذه التجربة القاسية، أنه لدينا مسؤولية ورسالة يجب أن نؤديها بأمانة، فمن يشاهد مراحل ارتكاب الخطأ ولا يفعل شيئاً لمنع وقوعه ، فهو شريك بارتكابه.

انطلقت فكرة الكتاب، وفكرة تأسيس جمعية أبناء أبرشية الجليل، بعد زيارة مؤلف الكتاب لمدينتي تورنتو ومونتريال، حيث لاحظ هجرة مئات الأسر العربية المسيحية من حيفا لتورنتو منذ مطلع الخمسينيات وحتى مطلع الثمانينات الأوائل. ومنذ تلك الزيارة وهاجس هجرة المسيحيين يراود المؤلف ويقضّ مضاجعه، وبدأ يبحث عن حلول أو خطوة يقوم بها مهما كانت صغيرة من أجل معالجة هذه القضية.

قرع الأبواب فلم تُفتح، ناشد وكتب ولكن لا حياة لمن تُنادي. الى أن توصّل هو ومن معه الى قرار تأسيس جمعية وتسجيلها لدى مُسجّل الجمعيات في وزارة الداخلية، ليبدأ مشوار العناء والنضال من أجل إيجاد حلّ لمشكلة سكن العديد من الطلاب الجامعيين، والنضال من أجل منع صفقات بيع لأراضٍ وعقارات تابعة لطائفة الروم الكاثوليك. وبعد أن استنفذ أعضاء الجمعية كافة الوسائل لإنقاذ ما تبقى من الأوقاف توجهوا الى جهاز القضاء في العام 1992 طالبين من المطران والمطرانية أن تقدّم تقارير مالية وموازنات سنوية وكشوفات تفصيلية حول أملاك طائفة الروم الكاثوليك في أبرشية عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل وذلك عن فترة تولي سيادة المطران سلّوم مهام المطرانية منذ العام 1974 وحتى تاريخ تقديم الشكوى في العام 1992.

يشمل الكتاب توثيقاً لكافة الجلسات التي عُقدت مع الرئاسة الكنسية والمراسلات، والتعهدات من قبل الرؤساء وتراجعاتهم عن تعهداتهم ، مما حدا بالمؤلف أن يُطلق على الكتاب عنوان "تواقيع على الرمل"، مشبهاً تواقيع وتعهدات المطارنة آنذاك، كمن يكتب على الرمل، ومع هبوب الرياح يُمحى ما كُتب ويتلاشى.

وهنالك ملف خطير يكشف عنه في الكتاب الدكتور حاتم خوري ألا وهو ملف "شركة مجد" والصفقة التي تمّت بين هذه الشركة والمطران سلّوم. وصفقة "جاد زئيفي"،لتتفاقم الأزمة وتتمخض عنها تنظيم مظاهرة أمام مقرّ القاصد الرسولي، بعد أن تم ارسال رسالة شديدة اللهجة الى البطريرك حكيم والى مجمع أساقفة الروم الكاثوليك بتاريخ 17 تموز 1997 جاء فيها :"لقد طفح الكيل يا غبطة البطريرك ويا حضرات الأساقفة .. كتبنا لكم مراراً وشرحنا لكم أوضاع أبرشيتنا .. وبيّنّا لكم ما تمّ من تصعيدٍ في عمليات بيع أملاك طائفتنا في الجليل، حتى الأشهر القليلة الأخيرة .. ولكن دون جدوى". وتمّ اختتام الرسالة على النحو التالي :" بعد اليوم لن نكتفي بالكتابة إليكم . فقد خذلتمونا الى أبعد الحدود. عن قريب ستسمعون أصواتنا عبر كل وسائل الاعلام العالمية ، نصرخ ونشرح ما يحدث لأبناء أبرشية الجليل في ظلّ قيادتكم".

هذه الصرخة لم تأتِ من فراغ، هذه صرخة ابن متألم من أبٍ خذله وتجاهله، من ابن حاول بكل الوسائل أن يتم حلّ الاشكال داخل البيت، ولكنه قوبل بالصّد والتجاهل والوعود التي لم تثمر حسب ما جاء في الكتاب، لهذا أتت صرخة المتألم نتيجة حتمية لهذا الوضع.

يختتم المؤلف كتابه بصرخةٍ أخرى قبل أن يعرض علينا ملاحق النداءات والبيانات والرسائل والوثائق، حيث يقول: "لقد عانت أبرشيتنا الجليلة ، منذ عشرات السنين، ليس من أزمة إيمانية، إنما أزمة ثقة بسلامة ونزاهة وحسن تصرّف إدارتها المالية". واصفاً الإدارة المالية للأبرشية بأنها عملت بشكلٍ مغلق وسرّي واصفاً إيّاها "وكأنها تحتفظ بأسرار نووية!". منتقداً عدم الشفافية في عمل الإدارة المالية الأمر الذي أدّى الى إلغاء المراقبة ، وهذا بالتالي حسب ما ورد في الكتاب سيؤدي بشكلٍ حتمي الى الفساد. ويسترشد المؤلف في كتابه بأقوال المسيح ليختتم بهذا كتابه " فلا تخافوهم. فإنه ليس من محجوب إلّا سيُكشف، ولا مكتوم إلّا سيُعلم. وما أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، وما تسمعوه همساً في الاذان نادوا به على السطوح" (متّى 27 – 26: 10 ).