موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٨ فبراير / شباط ٢٠١٩
لأجل السلام العالمي والعيش المشترك

إبراهيم غرايبة :

اختتم المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانیة الذي عقد في أبو ظبي بإعلان وثیقة الأخوة الإنسانیة من أجل السلام العالمي والعیش المشترك والتي وقعھا كل من بابا الكنیسة الكاثولیكیة (الفاتیكان) البابا فرنسیس، وشیخ الأزھر الدكتور أحمد الطیب.

وفد إلى المؤتمر الذي تشرفت بالمشاركة فیھ وعضویة اللجنة العلمیة مئات الشخصیات من القیادات الدینیة والباحثین والمفكرین المشتغلین بالدراسات والشؤون الدینیة، من المسلمین سنة وشیعة، والمسیحیین كاثولیك وارثوذكس وانجیلیین والھندوس والبوذیین والسیخ والزرادشتیین والشنتو والكونفوشیین والمیثودیین والیزیدیین. ویتساءل المرء ببداھة إذا كان ھؤلاء القادة الدینیون من كل الأمم والدول والأدیان والمذاھب والطوائف یملكون ھذا القدر من التقبل لبعضھم البعض؛ ویلتقون في قاعة واحدة ویتحاورون، فلماذا یكون بین اھل الأدیان والمذاھب والثقافات كراھیة ورفض وعدم تبادل للمعرفة والفھم؟ لماذا یدعو الإیمان با إلى الأخوة الإنسانیة وتقدیم العون لكل إنسان واختصاص الضعفاء والمحتاجین بالإغاثة والمساعدة وفي الوقت نفسھ فإن المؤمنین أنفسھم یقتلون ویكرھون بعضھم بعضا؟

لكن وعلى أي حال فإننا في میدان الدعوة والفكر والفن ونحن المؤمنین با وبلقائھ وبحسابھ، ومن منطلق مسؤولیتنا الدینیة والأدبیة؛ نطالب أنفسنا وقادة العالم، وصناع السیاسات الدولیة والاقتصاد العالمي، بالعمل جدیا على نشر ثقافة التسامح والتعایش والسلام، والتدخل فورا لإیقاف سیل الدماء البریئة، ووقف ما یشھده العالم حالیا من حروب وصراعات وتراجع مناخي وانحدار ثقافي وأخلاقي.
فالبشر الذین خلقوا جمیعا متساوین وكانت جریمة إزھاق نفس واحدة تساوي قتل الناس جمیعا، وإحیاء نفس واحدة تساوي إحیاء الناس جمیعا؛ ملزمون بالعیش معا لإعمار الارض وحمایة قیم التعاون والسلام، وإذا كانوا خلقوا أحرارا مختلفین في أفھامھم فإن ذلك لأجل السلام والتقدم، وحري بھم أن یفكروا معا لأجل الفقراء والمحرومین والمھمشین والأیتام والأرامل والمھجرین والنازحین من دیارھم وأوطانھم، وكل ضحایا الحروب والاضطھاد والظلم، والمستضعفین والخائفین والأسرى والمعذبین في الأرض، دون إقصاء أو تمییز.

یمثل المسلمون والمسیحیون حوالي ثلثي سكان العالم الیوم، وعلى نحو ما فإن لقاء بابا الكنیسة الكاثولیكیة وشیخ الأزھر یعبر عن كتلة كبیرة جدا من العالم، وفي الوقت نفسھ فإن العالم المسیحي الغربي یقود الحضارة العالمیة ویصوغھا، ویتحمل بطبیعة الحال مسؤولیة قیادیة تجاه العالم، كما یتحمل مسؤولیة تاریخیة، فھذه الحالة العالمیة بخریطتھا وتشكلاتھا وأزماتھا وإنجازاتھا ھي نتاج الحضارة الغربیة وصعودھا القیادي في العالم منذ القرن السادس عشر ثم الھیمنة علیھ منذ القرن الثامن عشر، ثم احتلال ثلاثة أرباعھ على الأقل في القرن التاسع عشر، والمسلمون البالغ عددھم حوالي 1800 ملیون نسمة وإن كان ینتمي إلیھم وإلى عالمھم معظم العنف المنتسب إلى الدین، فإنھم أیضا ضحایا ھذا العنف، وتشكل نسبة المسلمین من ضحایا العنف من القتلى واللاجئین والمتضررین إلى 99 في المائة، وإنھا لمفارقة عظیمة ملفتة!

لكن وكما كانت الكلمة مؤسسة للحضارة الإنسانیة بكل ما فیھا الیوم، وبرغم ما یبدو أن السیاسة قد انفصلت عن الكلمة والدعوة فلا نملك أن نشارك المؤتمرین بأن ”نتوجھ للمفكرین والفلاسفة ورجال الدین والفنانین والإعلامیین والمبدعین في كل مكان لیعیدوا اكتشاف قیم السلام والعدل والخیر والجمال والأخوة الإنسانیة والعیش المشترك، ولیؤكدوا أھمیتھا كطوق نجاة للجمیع، ولیسعوا في نشر ھذه القیم بین الناس في كل مكان.

(الغد الأردنية)