موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢ سبتمبر / أيلول ٢٠١٩
كيف تكون جريمة شرف؟

رمزي الغزوي :

في عرف الصينيين القدماء أن جمال المرأة يكمن في صغر قدميها. فالقدم الصغيرة تعني بالضرورة فتاة عفيفة. لذا كانوا يجبرون بناتهم الصغيرات على ارتداء قوالب الفولاذ؛ كي يحافظن على صغر أقدامهن، ومنعها من التضخم، وهو الأمر الذي كان يسبب لهن ألماً جسدياً عظيماً، ولهذا تنادت الجمعيات الإنسانية العالمية، بوقف هذا العنف الجسدي البليغ.

الصينيون كانوا يفلسفون الأمر على غير ما هو ظاهر لنا، فالقدم الصغيرة للفتاة، تدل دلالة استنتاجية على أن الفتاة ظلت منتعلة قالبها الفولاذي لفترة طويلة في صغرها، مما يعني أنها لم تغادر بيتها، لفاً أو دوراناً، فهي بهذا أقرب إلى الشرف والعفة. يا للسذاجة!.

وفي بلادنا كانت الخاطبات الحاذقات، وعندما يكلفن بمهمة البحث عن عروس ذات جمال ودلال، كنّ يباغتن البيوت مع أول زقزقة الصباح، كي يأخذن الصبايا على حين غرة، وقبل أن يغسلن النوم عن جفونهن، وقبل أن يأخذن زينتهن؛ لمعرفة الجمال الحقيقي من الزائف الصناعي المصطنع: فـ(الحلو حلو ولو صاحي من النوم).

ولم يكن الأمر يتوقف على المباغتة والمفاجأة فالخاطبة كانت تكشف عن قدم العروس، وتتفقدها وتجوسها بيدها وتتأملها، بل وتأمرها بالذهاب والإياب أمامها؛ لتتأكد من جماليتها ورقتها، فالقدم تنبئ بصحة صاحبتها ورفاهيتها، وحجمها يعطي مؤشراً حقيقياً عن مدى عناء أو رفاهية صاحبتها. فالبنت صاحبة القدم الكبيرة، لا بد وكانت غارقة بالمشي.

في قصة سندريلا الفرنسية، أو ما تعرف (بفتاة الشحبار)، والراجح أنها ذات أصول صينية، كلكم يذكر كيف أن الأمير عشق الفتاة الجميلة من أول رقصة لهما، لكنها ولت هاربة إلى مطبخها وموقدها، عند منتصف الليل، ولم يبق منها إلا فردة الحذاء الصغيرة، التي فلتت منها لفرط عجلتها.

طار لب الأمير الذي وقع في جب الحب، واشترط أن لا يتزوج إلا من تدخل قدمها في الحذاء الذي تركته سندريلا، وبالفعل خاب مسعى كل الصبايا الطامحات، فأقدامهن أكبر من أن تلج الحذاء ولو حشراً.

تخلى البشر منذ زمن عن ضوابط العفة الموضعية، وقوالبها الفولاذية القاسية التافهة غير المنطقية التي لا تنسجم مع العدالة والحق، فهذه أشياء لا تضبط أو تربط: إنها في ذات المرأة وتربيتها منذ نشأتها الأولى، ولهذا فمن عار العار أن نسمي الجرائم التي تقع على كثير من النساء في مجتمعنا بجرائم الشرف.

(الدستور الأردنية)