موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٣ سبتمبر / أيلول ٢٠١٤
كل الناس خير وبركة

صبري ربيحات :

نقلاً عن "الغد" الأردنية

لا يوجد في ثقافتنا مقولة بلهاء وغامضة وشائعة الاستخدام، ومسكتة في نفس الوقت، مثل عبارة "كل الناس خير وبركة".

الجملة جزء من المخزون اللغوي للجميع؛ يستخدمها العقلاء والجهلاء، الرجال والنساء، المريدون والمبغضون، الصغار والكبار.

ويأتي استخدامها في كثير من الأحيان عند المرور على أسماء بعض الناس في المجالس أو في حلقات تعقد للاستغابة، وعلى هيئة تدخّل من أحد المشاركين. وغالبا ما يكون الشخص موضوع الاستغابة معروفا لدى غالبية المستغيبين (صديق، أو قريب، أو زميل، أو جار).

ويقصد بالمقولة التي تأتي على هيئة إعلان أو فاصل، طلب غير مباشر لوقف الاستغابة، أو إعادة توجيه لمشاعر المستغيبين باتجاه المدح إذا كان المتدخل مريدا، أو الذم إذا كان موقف المتحدث من الشخص المستغاب سلبا.

يمكن أن يلحق بالمقولة عبارة أخرى هي "ما بين شرنا وشره الله"، للتدليل على التقدير وحسن النوايا، والتأكيد على أن المقصود بالمقولة خيرا بالفعل. أو يمكن أن تضاف عبارة "الله يهديه أو يهديها"، أو عبارات أخرى من صنف "ما عود إلا وهزه الريح"؛ في التدليل على أن القائل يوافق على ما يقال، إلا أنه يجد عذرا أو تفهما وتبريرا له.
الواقع هذه الأيام يختلف كثيرا مع مضمون المقولة ومعاني مفرداتها. فحقيقة الأمر أنه لم يعد كل الناس خيرا ولا بركة، بل إن غالبية الناس مندفعون بشكل جنوني نحو تحقيق أهداف ومنافع فردية، من دون كثير من الاكتراث للصالح العام.

فالناس يتوسطون من أجل الاستيلاء على حقوق الغير. وهناك ثقافة داعمة ومسهلة للتجاوزات، ومباهاة بالاستيلاء على حقوق الغير في الماء والشارع والفضاء والتعليم. والبعض قد ينظف بيته ويلقي قمامته أمام بيتك، ولا يكاد أحد يحترم النظام والدور... السيارات يمكن أن تمر عن يمينك ويسارك في اللحظة نفسها غير آبهة بحياتك.

لو كان "كل الناس خير وبركة"، لاختفت المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي أصبحت تخيم على كل أوجه حياتنا؛ فمدننا غير نظيفة، والغش في كل جوانب الحياة، والفساد أصبح ثقافة... البشر يقتلون بعضهم بعضا، والزملاء يتجسسون على زملائهم ويؤلفون قصصا كاذبة عنهم من أجل أن يتقربوا لآخرين أكثر أهمية، والبعض يغطي على سوء أخلاقه بالتدين الظاهري، ويستطيع أن يظهر باللون المطلوب ليلا أو نهارا... وبكل الألوان والمقاسات. وثمة بعض آخر يبذل جهدا استثنائيا لمنع الغير من أن يتمتعوا بما يتمتع به بالتحايل والايهام والكذب والتكتم.

قبل عقدين من الزمان، وعلى إثر دخول القوات العراقية للكويت، وتداعي عدد من الدول العربية لمساندة الكويت في إخراج الجيش العراقي من أراضيها، سألت سيدة عجوز أحفادها عما يجري في العالم العربي، فقالوا لها إن العرب على وشك أن يدخلوا في حرب الجميع ضد الجميع. فما كان من السيدة التي كانت من أشد المعجبين بصدام حسين إلا أن قالت وبصوت لا يخلو من الخذلان: "يا بنيي الله ينصر الجميع".

رحم الله السيدة العجوز وآباءنا الذين ظنوا أن الجميع خير وبركة.