موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٥ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٩
كلمة المونسنيور عكشة في افتتاح قمة باكو الثانية لزعماء الأديان العالمية

باكو - أبونا :

بحضور الرئيس إلهام علييف، انطلقت في العاصمة الأذرية باكو، أعمال النسخة الثانية من قمة قادة الأديان حول العالم، من 14 وحتى 15 تشرين الثاني 2019، بحضور شخصيات دينية وسياسية رفيعة المستوى قادمين من دول العالم المختلفة.

■ وفيما يلي نص الكلمة التي ألقاها المونسنيور خالد عكشة، رئيس مكتب الحوار وأمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين في المجلس البابوي للحوار بين الأديان في حاضرة الفاتيكان، في حفل افتتاح قمة باكو الثانية لزعماء الأديان العالمية:

فخامةَ رئيسَ الجمهورية، السيد الهام علييف، فضيلةَ شيخِ الاسلام، الحاج الله شكر باشا زادة، قداسة لبطريرك كيريل، السيدة الأولى، أيّها الحفل الكريم، يشرفني أن أمثّل المجلس البابوي للحوار بين الأديان بالفاتيكان، في هذه القّمة لزعماء الأديان العالمية. ويسرّني أن أنقل اليكم تحيات رئيس المجلس، نيافة الكاردينال ميجيل أيوزو، وتمنياته بنجاح لقائنا.

فخامةَ رئيسِ الجمهورية،

كلّنا يعي الدورَ الهام للقادة وأهلِ السياسة، رجالا ونساء، ليس في ادارة شؤون بلادهم وتعزيز أمنها وتوفير العيش الكريم لمواطنيها وحسب، بل كذلك في تعزيز السلم الاجتماعي والانسجام بين المكوّنات العرقية والدينية والثقافية لبلدانهم المرتكزين على علاقة سليمة بين الدين والدولة. فمن الأهمية بمكان وجودُ تمييز واضح بين الدين والدولة، يجعل الأخيرة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان وأتباعها الموجودين على التراب الوطني، دون تفضيل لدين على آخر، ولا تمييز بين مؤمن ومؤمن، ودون تهميش أو اضطهاد لأحد بسبب الانتماء الى دين معين أو لعدم اعتناق أي دين. عندما يتحقق هذا الأمر يشعر المواطنون من كافة الأديان، كما أولئك الذين لا ينتمون الى أي دين، بأنهم متساوون أمام الدولة وأمام القانون، وبذلك يتعزز انتماؤهم لوطنهم واسهمامُهم الفعّال في صونِه والعملِ على رفعته.

بلدُكم، يا صاحبَ الفخامة، غنيٌ بأعراقه وأديانه وثقافاته، والدولةُ التي تتشرفون برئاستها ورعاية بناتها وابنائها قد فصلت الدين عن الدولة، لا من باب العداء للدين ولا تجاهلا لدوره في المجتمع، انّما انطلاقا من ضرورة التمييز بين الأمور والحكمة واقامة العدل وتحقيق المساواة بين الناس.

كما أن أذربيجان تبذِل بقيادتكم جُهدا مباركا مشكورا في تعزيز الاحترام المتبادل والعيش المشترك السلامي والتعاون المثمر ليس على الصعيد المحلي وحسب، انّما على مستوى المنطقة والعالم كذلك. وهذا الاجتماع المميَز لرؤساء الأديان خيرُ شاهدٍ على ما أقول.

وأردتم، فخامتُكم، أن تكون في هذه القمّة مساحة لاكرام ابن متميز من أبناء أذربيجان، أعني فضيلةَ شيخِ الاسلام الحاج الله شكر باشا زادة، الذي اأتوجّه اليه الآن بكلامي.

الشيخ الجليل والصديق الغالي،

يسرّني، في احتفالنا بعامكم السبعين من عمركم المديد باذن الله، أن أستشهد بآية من الكتاب المقدس: "أيام سنينا سبعون سنة، واذا كنا أقوياء فثمانون، وجُلّها عناءٌ وشقاء".

وفي مناسبات كهذه، فاننا نلقي على أيامنا وسنينا وحياتنا كلِها نظرةَ المؤمن، فنجدَ أنفسنا مَدينين لله تعالى بكل شيء، وعاجزين عن شكره، وفقراءَ الى صفحه وغفرانه.

معكم، يا صاحب الفضيلة -وقد أطلق عليكم والداكم، رحمهما الله، اسما جميلا معبّرا “شكر الله”- نشكره تبارك وتعالى على ما وهبكم من غزير عطاياه، لا سيّما كِبَرَ القلب وسَعة الصدر والحكمةَ والعلمَ ومحبةَ القريب ودماثةَ الخُلُق، ما هيأكم لحمل مسؤوليات جسام على صعيد الوطن والمنطقة والعالم. وقد أيّدكم العلي القدير بنوره وقوته في تأدية واجبكم النبيل.

تمتد معرفتي بشخصكم الكريم الغالي الى سنوات طويلة خلت وأذكر على وجه الخصوص لقاءنا في الفاتيكان لمناسبة مشاركتكم في جنازة البابا يوحنا بولس الثاني الذي تكرمه الكنيسة اليوم كقديس. أكاد ألمس محبتكم لي ولغيري لمس اليد. وأذكر ضمن ما أذكر ما قلتم لنا خلال المؤتمر الذي عقدتموه في فيينا بأنكم تلتقون بالمشاركين لقاءكم بأفراد أسرتكم. أوليست البشرية بأجمعها أسرة واحدة، خالقها واحد وأبوها واحد وأمها واحدة، خلقها الباري عن محبة ويعتني بها انطلاقا من المحبة عينها ويدعو كافة أفرادها الى أن يعيشوا كاخوة وبسلام؟ وهذا الأمر هو لبّ الوثيقة التي وقّع عليها البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في أبو ظبي في شباط الماضي. أدعو الله لكم، فضيلتكم، بالصحة والعمر المديد والطمانينة والسداد لتستمروا في حمل رسالتكم النبيلة لسنوات طويلة.

وكلمتي الآن الى آبائي وأخوتي الزعماء والمسؤولين من كافة الأديان والطوائف.

مسؤوليتنا، كما نعلم جميعا، كبيرة أمام الله والناس. يدعونا الله تعالى الى أن نكون رعاة ومعلمين بالمثال والكلمة. ويدعونا الى أن نكون على مثاله محبين للناس كافة، رحماء بالمريض والفقير والغريب والأرملة واليتيم.

يدعونا تعالى كذلك الى أن نكون على مثاله سلاما وبُناة سلام وخير وأخوّة وتعاون. يدعونا الى نبذ كل كلام أوخطاب يحمل كراهية وحثا على الفرقة والعنف، وبخاصة المرتكب منه باسم الدين. وتعلمون انه قُتل في القامشلي قبل يومين كاهن ووالده ينتميان الى الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية. لنطلب لهما الرحمة ولذويهما عزاء الايمان.

وعودة الينا في القامشلي فإنه اذا أحسنّا الخدمة، فاننا سننعم برضى الله وسلام الضمير وبعض التقدير في هذه الحياة، وأما الجائزة الحقّة فسوف تكون بكرم من الله تعالى في الآخرة، عندما يدعو الأخيار قائلا: "تعال، ايها العبد الصالح الأمين، أدخل نعيم سيدك". هذا ما اتمناه لي ولكم جميعًا، بعد عمر مديد للجميع، بدءًا بصاحب العيد حفظه الله.

لكم جميعًا محبتي والدعاء بكل خير، مع الشكر الجزيل على حُسن اصغائكم.