موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٤ مايو / أيار ٢٠١٣
كلمة القائم بأعمال مجلس كنائس الشرق الأوسط

بيروت - أبونا :

أصحاب الغبطة والسيادة والسعادة،
ايها الحفل الكريم،

"ما أجملَ أن يجتمعَ الإخوةُ تحت سقفٍ واحد".

إنَّه لسرورٌ لنا أن نفتتحَ معكم هذا اللقاءَ حول حضورِ المسيحيِّين وشهادتِهم في الشرقِ الأوسط الذي تعاوَنَ على تنظيمه مجلسُ الكنائسِ العالميُّ ومجلسُ كنائسِ الشرقِ الأوسط. إنَّه سرورٌ، ولو كانت الظروفُ التي تعيشُها كنائسُ هذا الشرق صعبةً ومؤلمة. فالجلجلةُ هي التي تُخرِجُ كلاًّ منّا من نفسه، وتَكشفُ له القيروانيَّ الذي فيه، المدعوَّ إلى أن يَحمِلَ صليبَ أخيهِ، وصليبَ السيِّد. فأهلاً بكم مَشرقيِّين مؤمنينَ أنَّ الصليبَ، عند المخلَّصين، هو قوَّةُ الله، وقيروانيِّين من العالم يحملون مع المشرقِيِّين صليبَهم.

في هذه المَرحلةِ الدقيقةِ من تاريخِ مِنطقتِنا، نشعرُ، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، بحاجتنا إلى التلاقي والتسانُدِ والحوار، ونُوقِنُ أنَّه لا بدَّ لنا من تفعيل عملِ مجلسِ كنائسِ الشرقِ الأوسط، هذا الذي اضّطلعَ، منذ إنشائه، بمسكونيَّةِ الخدمة، والمسكونيَّةِ الروحية، ومسكونيَّةِ الحوار بين الكنائس المحلِّيَّة، والحوارِ مع المسلمين، وسواها من المهامِ التي تندرجُ في صُلب حضورِ المسيحيِّينَ في المشرقِ وشهادتِهم.
فالمجلس، بوصفه المؤسَّسةُ الوحيدة التي تضمُّ كلَّ كنائس الشرق الأوسط، والتي يترأسُها بطاركةٌ ورؤساءُ كنائسَ يمثِّلون كلَّ العائلاتِ المسيحيَّةِ في هذا المشرق، هو أداةُ تواصلٍ أساسيَّة بين مكوِّناته كلِّها، وهو صوتُ مسيحيِّي المشرق في العالم وإليه... إنَّه يُجسِّدُ وحدةَ المسيحيِّين وعيشَهم إيمانَهم وقيمَهم ضِمن تنوُّعِ تقاليدِهم.

وإلى هذه المحاورِ والمَهام، تجمعُنا اليومَ "مسكونيَّةُ المعاناةِ" أو "مسكونيَّةُ الألم"، بحسبِ تعبيرِ البابا تواضروس الثاني، وهي تفرضُ علينا الارتفاعَ إلى مستوى المسؤوليَّةِ التاريخيَّة، وتدفعُنا إلى مستوًى أعمق من المشاركة، وتجدُ أبهى تعبيراتِه في وَحدة الحالِ والتعاضدِ اللذين تُظهرُهُما كنائسُنا مؤخَّرًا. فها البابا تواضروس الثاني بطريركُ الأقباطِ في مصرَ والعالم يشاركُ في مراسم تنصيب البطريرك ابراهيم إسحاق سيدراك، بطريركِ الكنيسةِ القبطيَّة الكاثوليكيَّة في مصر، ويزورُ الكرسيَّ الرسوليَّ في روما. وها البطاركةُ والأساقفةُ من كافَّةِ الكنائسِ المسيحيَّة يشاركون في تنصيب البطريرك يوحنّا اليازجي في سوريا. وها مسيحيُّو المنطقةِ والعالم يَلتفُّون حول كنيستي الرومِ الأرثوذوكس والسريانِ الأرثوذكس الجريحتينِ باختطافِ المطرانين بولس اليازجي ويوحنا إبراهيم...

وإذا صحَّ ما قاله المطرانُ خضر من أنَّ "الخطفَ كسرُ المعيَّةِ (...) (و) إنَّه بدءٌ لتسرُّبِ الموت، (و) إخلالٌ بوجودنا كجماعة" إذ يُقحِم مسافةَ غيابٍ واغترابٍ بين الأحبَّةِ، فإنَّ المنطقَ المناهضَ لمنطقِ الخطفِ هو منطقُ حضورِ أحدِنا للآخر، وشعورِنا بأساسيَّةِ الآخر "حتى التنفُّس" كما يقول خضر في مكان آخر. بعد زيارتِه إلى الفاتيكان وما لَقِيهُ من حفاوةٍ ومحبة، قال البابا تواضروس الثاني "ما يشغلني الآنَ هو كيفيَّةُ الردِّ على هذه المحبَّة"، كأنِّي به يَرُدُّ على كاسري المعيَّة، أن لا شيء يفصلُنا عن محبَّةِ بعضِنا البعض.

إنَّها اليومَ مسكونيةُ الألم، ألمِ القتلِ والتهجيرِ والاضطهادِ ونسفِ المقدَّساتِ في سوريا. إنَّها، في مصر، ألمُ مخاضِ دولةٍ تولدُ من رَحِمِ الثورةِ وتهدِّدُها آفاتُ التطرُّفِ الدينيِّ ورفضِ الآخر؛ إنَّها، في العراق، استمرارُ النزيفِ المسيحيِّ من الجرح المفتوحِ منذ سنوات؛ وفي الأراضي المقدَّسة، ألمُ فراغِها المتسارِعِ من مسيحيِّيها، وتحوُّلِها نقيضَ اسمِها "أرضُ السلام".

في هذا الشرق، حيث الحضورُ المسيحيُّ "ليس عرضيًا أم مُستجدًا بل هو تاريخيٌّ" على ما قال البابا بينيدكتوس السادس عشر في إرشاده الرسولي "الكنيسة في الشرق الأوسط"، تأتي معاناتُنا في صُلب انتمائنا إلى مجتمعاتنا المتألِّمة، الباحثةِ عن سبيلها إلى العيش الكريمِ الحرِّ، أي إصرارًا على أن لا شيءَ يفصِلُنا عن محبَّةِ أوطانِنا ومواطنينا، مسيحيِّين وغيرَ مسيحيِّين.

نلتقي لكي يتسنّى للكنائسِ المختلفة مشاركةَ همومِها ومصاعِبها، ولنفكِّر في كيفيَّة انخراطِنا في دعمِ بعضِنا البعض انخراطًا أكثر فاعليَّةً وتأثيرًا.

لكن التفكيرَ ليس هدفًا في ذاته. نفكِّرُ لنعمل.

نلتقي لوضع رسالةٍ مشتركة تشمَلُ رؤيةَ الكنائس المحلِّيَّة حول مستقبلِ الوجودِ المسيحيِّ وعلاقتِه مع الأديانِ الأخرى، وشهادتِه في الشرق الأوسط، ودورِ هذه الكنائس ومساهمتِها في نشرِ السلام والعدالة للجميع.

لكنَّ الرسالةَ ليست غايةً في ذاتها. نضعُ الرسالةَ لنعملَ في ضوئها.

نلتقي لوضعِ خطَّةِ عملٍ مشتركة بين الكنائس المشرقية والكنائسِ في الخارج تهدفُ إلى تعزيزِ وجودِ الكنائسِ في الشرق الأوسط، وتكثيفِ الجهودِ لتقاربِ الكنائسِ فيما بينَها من خلال العملِ المسكونيِّ والهيئاتِ المسكونية الإقليمية والدولية.
لكنَّنا نضعُ الخطةَ، لننفِّذها.

اننا اليومَ بحاجةٍ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى أن نصلَ التفكيرَ والتخطيطَ والتأمُّل... بالعملِ المُمنهَج، القابلِ للتقييمِ والمحاسبة، وهذا ما تَدعونا إليه اليومَ دقَّةُ المرحلةِ وتجاربُنا السابقة، ما نجح منها وما لم ينجح.

أرحِّب بكم في لبنان، الوطنِ الرسالة، الذي وُلد مسكونيًا - مع ما تُلقيه المسكونيَّةُ أو محاولتُها عليه من مَهمَّاتٍ وصعابٍ جسام. أرحِّب بكم، بطاركةً وأساقفةً وكهنةً وعِلمانيِّين من مختلف كنائس الشرق، وباحثين من الشرق الأوسط والعالم، وأصحابَ إراداتٍ طيِّبة عازمين على مساعدةِ الشرقيِّين، أنتم الآتين من ألمانيا، والنروج، والسويد، والدانمارك، الولايات المتَّحدة...

وأختم بكلام البابا بينيدكتوس السادس عشر: "إن أنظارَ العالمِ كلِّه موجَّهةٌ صوبَ الشرقِ الأوسط الذي يبحثُ عن طريقِهِ. فلتُظهر هذه المنطقةُ أنَّ العيشَ معًا ليس أمرًا مثاليًّا، وأنَّ انعدامَ الثقةِ والأحكامَ المسبقة ليست أمرًا حتميًّا". وأقول: إن أنظارَ الشرقِ الأوسط المتألِّم موجَّهةٌ إلى مسحيِّيه، إلى القطيع الصغير المدعوِّ، لا لعدمِ الخوفِ وحسب، بل لأن يرفعَ الخوفَ عن إخوتِهِ جميعًا، حتى أولئك الذين حوَّلهمُ الخوفُ والجهلُ والخطيئةُ ذئابًا.

أجدِّدُ الترحيبَ بكم وشكرِكم، وأَتَطلَّعُ بكثيرٍ من الرجاء إلى ما يُمكنُ لهذا اللقاءِ أن يُؤسِّس له. وشكرًا.

سيدة الجبل – بيروت في 21/5/2013

الأب ميشال الجلخ
قائم بأعمال مجلس كنائس الشرق الأوسط