موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٠ مارس / آذار ٢٠١٦
كلمة البطريرك صبّاح خلال حفل اطلاق كتابه الجديد: خواطر يومية من القدس

البطريرك ميشيل صبّاح :

<p dir="RTL">تحية لجميع الحاضرين. لمنظمي هذه الأمسية، سيادة المطران مارون لحّام، والسيد المهندس أسامة الطوال، والأب رفعت بدر مدير مركز الإعلام الكاثوليكي. تحية لإدارة النادي الأرثوذكسي، ولجميع الحضور. هذا الكتاب، مجموعة أفكار يومية، فكرة في كل يوم نشرت في الفيسبوك، وفي موقع أبونا (<span dir="LTR">abouna.org</span>) وما زالت تنشر حتى اليوم. فكرة لكل من يقرأ ويريد أن يفكر. تتوجه إلى الإنسان وإلى الأردني والفلسطيني، المسلم أو المسيحي. وتخاطب كل إنسان، ويغلب عليها طبعا مسحة الروحانية المسيحية.</p><p dir="RTL"><strong>محاور رئيسية في هذه الأفكار:</strong></p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>أنا إنسان</strong></span></p><p dir="RTL">أنا، أنت، هو، هي، كلنا إنسان. وهذا يعني أننا أزلنا الحواجز كلها الدينية، والقومية، وغيرها. أزلنا الحواجز أعني أصبحنا قادرين على رؤية ومعانقة كل إنسان، ولا شيء يفصلني عنك، وعنه، وأهتم لهمومك وهمومه وهموم الجميع وأفرح بأفراحك وأفراحه وأفراح الجميع. إزالة الحواجز لا تعني من جهة أخرى التخلي عن المكونات الإخرى لهويتي، كوني في شعب ووطن، ومسيحي أو مسلم. ماذا أول وماذا ثانٍ في هذه المكونات؟ ليس يها لا ثانٍ ولا ثالث. بل كل شيء فيها أول. أنا أولا إنسان وأولا عربي، وأولا أردني أو فلسطيني ، وأولا مسيحي أو مسلم. بمعنى أنا إنسان واحد وهويتي واحدة وليست قطعًا متناثرة.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>المحبة</strong></span></p><p dir="RTL">هي وصية مسيحية، ولكنها أيضا وصية منطبعة في ضمير كل إنسان. مفهوم الإنسان ومفهوم المحبة يتكاملان بصورة منطقية. المحبة حتى في الصراع وواقع العداء. أمر صعب. وصية صعبة. ولكنها الوصية التي هي جوهر المسيحية. أول فكرة في هذا الكتاب عن المحبة، وأقرأ شيئا منها: &quot;المحبة شاملة مثل محبة الله، لا يهمل الله أحدا أو شيئا في خليقته. في كل بلد وموطن. وفي كل عرق وجنس ومعتقد. وكذلك محبة الإنسان لا حاجز يحدها، لا اختلاف في الدين ولا اختلاف في القومية، ولا الاختلاف في رؤية الأمور، ولا المسافات في المكان. أنت إنسان مثل كل الناس، وكل الناس مثلك. ولست أفضل من غيرك مهما وهبك خالقك من مواهب. هي مواهب، فهي من خالقك وليست منك لتفاخر بها. المجد لله الذي خلقك ووهبك. ثم غيرك له عند الله المكانة نفسها، فمن رفعه الله لا تضعه أنت، مقابل ادعاءات أو غرور ينمو في نفسك أو بسبب تحريف لمواهب الله لك&quot;.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>عربي</strong></span></p><p dir="RTL">مكوّن آخر وهو أيضاً أول: أنا عربي. كل هموم العروبة وما تتخبط فيه الآن هو همي. ولا أبكي فقط ولا أزدري ولا أهرب. البعض يكتفي بالرثاء أو بإلقاء اللوم. والبعض في هذه الحال الصعبة جدًّا يستخف ويود ألا يكون عربيا. والبعض يهرب، يترك البلد والعروبة وشعبه في شدته. أقول: في الشدة شعبي بحاجة إلي. وشعبي اليوم في شدة. يقال: فيه ضعف، فيه حيرة، فيه غباء، فيه خنوع لغرب مستعمر، لقوى يسمح لها أن تتلاعب به. كل هذا يعني أن الآن، هذا هو الوقت الذي فيه شعبي يحتاج إلي. فأعمل مع كل من يعمل ويصلح ويبني.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>في وطن وفي شعب</strong></span></p><p dir="RTL">مكوّن آخر وهو أيضاً أول: أنا أردني أو فلسطيني، فكلّ فلسطين وكل الأردن تهمني، وكل الفلسطينيين، وكل الأردنيين يهموني، لا فرق في عائلات وحمايل وديانات. وفي فلسطين أمامي عدو سياسي وظالم ومستبد. أمامي احتلال وتمييز عنصري. واجبي كإنسان وكفلسطيني هو أن أكون حاملا لمسؤولية كل فلسطيني، وهي إزالة الاحتلال والتمييز العنصري. إنهاء العداء. هدفي ليس القتل. وهذا أمر مهم. هدفي هو إزالة الاعتداء واسترداد ما سُلِبت. وفي هذا أقول إن وضعنا السياسي الفلسطيني بحاجة إلى مراجعة لنرى ماذا أنجزنا، وفي ما أخفقنا، وكيف يجب أن نعمل لا لنقتل بل لنستعيد حريتنا وأرضنا. مهما كان العدو، أنا أبقي نفسي ما أنا، إنسان لا أقتل، ولكني أطالب بحريتي وسأستردها، بقوة إنسانيتي، وبإذنه تعالى.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>أنا مسيحي</strong></span></p><p dir="RTL">وأخيراً، وأولاً أيضاً: أنا مسيحي. فبحكم إيماني المسيحي، ومبادئي وقيمي المسيحية أعمل لأغني الإنسان فيّ، والوطن فيّ، الأردن أو فلسطين. وأستلهم إيماني المسيحي لوضع حد للاحتلال وللتمييز العنصري، ولطلب الحرية والحياة ولمقاومة كل أشكال الموت الذي يأتيني من العدو أو من نفسي. أنا أومن بالحياة، وبالحياة أسترد الحياة. أومن بالسلام وبالسلام أسترد السلام. أنا عالم تمام العلم أنّ عدوي ليس على هذا المنطق. هو حر وهو متلف لإنسانيته ولنفسه. وأنا في منطقي وإيماني أنه لا بد للحق من أن يحق. ولا بد للحياة من أن تستجيب يوما لمن يطلبها لنفسه، من غير أن يكون قاتلا لعدوه. أنا أعلم أن هذا الفكر وهذا الموقف قد يثير نقاشًا. طبعاً أنا أؤمن أن هناك طرقاً أخرى كثيرة ومختلفة قد يراها الإنسان في حربه مع عدو معتد عليه. فكري أنا، هو أني مع كل مواطنيّ، وبحكم إيماني بالله، وبحكم إيماني بالمسيح، موقفي هو أني أطلب حريتي واستقلالي، ولي وصية صعبة، هذا صحيح، هي وصية المحبة، ولكني أومن كمسيحي وفلسطيني وأردني أن المحبة قوة فاعلة ومثمرة ومؤدية إلى ما هو حق، أي استعادة حريتي وحرية شعبي واستقلاله.</p><p dir="RTL">هذا هو بإيجاز توجه هذه الأفكار ومعناها وهدفها، وهو أن يكون الإنسان ما هو، بكل مكوّناته، إنساناً، عربياً، أردنياً أو فلسطينياً، مسيحياً أو مسلماً. وأن يكون عاملاً مخلصاً في حالة السلم وفي حالة الحرب. ونحن في حالة حرب يجب أن نواجهها بكلّ ما نحن.</p><p dir="RTL"><strong>خلاصة القول:</strong> يُربَّى الإنسان على أن يكون إنسانًا. ويقال له: أنت لست وحدك. خُلِقت لتكون مع غيرك. وكمالك بغيرك. كمالك بوطنك وبكل من في وطنك وشعبك. لا حواجز. الديانات ليست حواجز بين الناس. جوهر الدين هو: الله والناس خليقة الله. فتتعامل مع الناس كأنك تتعامل مع خالق الناس. لم يُخلَق أحد عدواً. إذا وُجِدت في حالة عداء كما هي حالنا اليوم، عليك واجبان: الأول أن تحرّر نفسك، والثاني أن تحرّر عدوّك من الشر الذي فيه، وهو اعتداؤه عليك. المهمة صعبة ولكنها مهمّة كل إنسان يؤمن بإنسانيته، وبربّه.</p>