موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ٦ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
كتب بشار جرار من واشنطن: ’احمل صليبك واتبعني..‘

واشنطن - بشار جرار :

 

مسيحيا كنت أم مسلما، أرثوذكسيا، كاثوليكيا أم بروتستانتيا إنجيليا، قدرك أن تكون أردنيا في زمان يرى فيه البعض نذر وبشائر عودة السيد المسيح..

 

في اللحظات الحرجة المفصلية من مسيرة الأفراد والأمم تبرز مقولة أننا على مفترق طرق "كروس روود" ومعها تلوح في الوجدان مقولة السيد المسيح الخالدة "احمل صليبك واتبعني"..

 

المحبّ حقا للأردن في هذه المرحلة لا بدّ أن تتوفر فيه – في تقديري – خصلتان: المبادرة في عمل قياديّ والانقياد حبا وكرامة لما يستعد حقا لفدائه بالغالي والنفيس.

 

ليسا خفيا على عاقل ولا حتى جاهل، أن البلاد في مرحلة تقرير مصير حقيقية: فإما النجاة والخلاص والنجاح وإما لا قدّر الله الارتهان لإرادة الغير وهو من الواضح غير محب وغير مبال في مصير أردننا ومنطقتنا لا بل والعالم بأسره بلا أي مبالغة.

 

إن التسارع في انحدار الوضع الأمني والاقتصادي والبيئي في سائر أرجاء المعمورة يشير البوصلة بوضوح لا ينكره إلا مكابر باتجاه الخلاص الحقيقي. المسألة تظهر جليا بنسب متفاوتة حسب قربنا وبعدنا من مراكز الزلازل وبؤر البراكين التي تهز عالمنا بين الحين والآخر وخاصة في أكثر الأمور خطورة وإن أنكرتها الدهماء الجاهلة ألا وهي الأمور الإيمانية والنفسية والاجتماعية. فاقد الشيء لا يعطيه ولن يعرف عالمنا أبدا الأمان ما لم يتحقق السلام الحقيقي في قلوبنا ودورنا وديرتنا. آن الأوان أن نعيد كل قضايانا العالمية والقومية والوطنية إلى جذرها وبذرتها الأولى.. أهي بذرة خير في تربة خير ترعاها بيئة خيرة وراع صالح أم لا؟ هذا هو السؤال الحقيقي ودونه سوء تشخيص لأصل العلّة الأمر الذي سيضعنا في دوامة لا تنتهي من المسكنات والمهدئات لا العلاج الوقائي أو الاستشفائي الناجع.

 

قدرنا في الأردن أننا -كما فلسطين/إسرائيل- مهد الأديان والحضارات .. إما نصونها كأمانة أو ننساق وراء قطعان الناعقين الزاعقين بمقولة القتل والدمار.

 

الحكيم من ينظر في مكونات القدرة والقوة لديه ويستثمرها لا من ينزعها من يده ويفرط بها لهثا وراء سراب أثبت بطلانه. بداية الخلاص في هذه المرحلة تتطلب الإقرار بضرورة العمل حقا بمقولة "الأردن أولا". كل فلس لا ينفق على الأردنيين والأردن تبديد يجب أن يخضع للمساءلة. المرحلة تتطلب الفداء الحقيقي. خذلان الأبعدين والأقربين يضعنا أمام ذاك المفترق الخالد.. وعلينا أن نحمل صليبنا الوطني ونمضي درب الآلام حتى القيامة الخالدة داعين الله أن يغفر لهم جهلهم بما يقترفون بحقنا كأردن وكمملكة وكقيادة وكرسالة. لو أنفقت الدول الشقيقة والصديقة عشر ما تدعي من أخوة وصداقة لدعم الأردن لما وصلوا ولما وصلنا إلى هذا الحال. ليت الصوت يصل إلى مبتغاه .. نريدها غضبة هاشمية أردنية فلسطينية تقول لهم جميعا كفى..

 

من الواضح الجليّ أن بقاء الحال على ما هو عليه ضرب من الخيال. وبالتالي لا بد من إعادة نظر شاملة بكثير من المسلمات التي هي في حقيقة الأمر ليست سوى افتراضات ثبت بعضها فشله الذريع لكننا ولأسباب دبلوماسية ننكرها ونجامل ونتحامل على أنفسنا ونمضي بها إلى نهاياتها المعرفة سلفا.

 

الأردن يستند إلى شرعية دينية وتاريخية تمنحه قيادته وشعبه الحق كله في النظر مليا بمفترق الطرق الذي وضعنا الآخرون فيه. بداية لا بد من إزالة جميع القيود على حرية التفكير والتعبير حتى نتصارح جميعا بما هو أصح لهذه المرحلة فما نحن بصدده هو أن نكون أو لا نكون.

 

واجتهد فأقول: لا بد أن نبدأ باعتماد خارطة طريق وطنية لا مستورده للإصلاح الشامل، العميق والمستدام. أول الأولويات في نظري هو الإعلان جهارا نهارا أننا وحتى إشعار آخر معنيون بوطننا فقط. نعم لا بد من سياسة انعزالية لبعض الوقت. خلالها لا ندفع فلسا واحدا لأي منظمة إقليمية أو دولية. يتعين علينا في تقديري العمل على إنهاء رعوية الدولة. لا بد من العمل على تحقيق الدولة المدنية الكاملة والمواطنة الكاملة وخضوع الجميع لمنطق ماذا قدّمت لتأخذ؟ لا بد – في تقديري –لرد الاعتبار إلى مؤسسات الدولة العميقة– بمعنى أن تقام لجان غير منفعية من كبار الضباط والخبراء تنظر ليس فقط في خارطة الطريق بل وفي القائمين على تنفيذها. في هكذا لجان لا مجال فيها لضيق النظر أو الصدر والوقوف أمام جرد أسماء تم تجريبها أو يخشى البعض إساءة تفسير اتجاهها أو ولاءها. المرحلة تتطلب ما وصفه أرسطو بديموقراطية الاختصاص. من هنا تأتي أهمية حل مجلس الأمة واستبداله بمجلس وطني استشاري مرحلي لحين ترتيب انتخابات حقيقية لا كوتا فيها لأن الأردنيين سواء.

 

كل ما سلف ذكر يعتبر في نظر البعض من الكبائر أو الخطوط الحمر أو الأدوية المرّة، لكن أمام كل مفترق الطرق هناك درب آلام يتكلل بجلجلة الصلب فالقيامة الأبدية.. والأردن مستأهل وبجدارة لأنه البشارة وميلاد الرسالة..