موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢ ابريل / نيسان ٢٠١٦
"قوانين العقوبات الكنسية في شرع الكنيسة الكاثوليكيّة".. إصدار جديد

دمشق - أبونا :

<p dir="RTL"><span style="color:#006699;">أصدر الاب د. ريمون جرجس الفرنسسكاني، كتاباً جديداً بعنوان: &quot;قوانين العقوبات الكنسية في شرع الكنيسة الكاثوليكيّة&quot; وهو الأول باللغة العربية (1012 صفحة)، طبع في المطبعة البوليسيّة في بيروت. ويسرنا في موقع أبونا، ونحن نهنئ الأخ والصديق ريمون على هذا الإنجاز الجديد الذي يضاف إلى قائمة إنجازاته الكثيفة في مجال القانون الكنسي، أن ننشر المقدمة التي تزيّن الكتاب، وهي بقلم المؤلف العزيز:</span></p><p dir="RTL">احتلّ قانون العقوبات الكنسيّة في السنوات الأخيرة حيّزاً هاماً من التفكير، وخاصّة في ما يتعلّق بجريمة خطيرة جدّاً ألا وهي اعتداء الإكليريكيّين على القاصرين، ومواقف الأحبار البابويّين من هذا الموضوع خاصّةً البابا بنديكتوس السادس عشر الذي أكّد في رسالته الرعويّة إلى كاثوليك إيرلندا، التي يعيد فيها مواجهة الكنيسة الكاثوليكيّة حالات اعتداء على القاصرين، حدثت في أبرشيّات تابعة لها، حيث إنّ بعض الأساقفة &quot;لم يطبّقوا أحياناً قواعد القانون الكنسيّ&quot;. في ظروف دقيقة كهذه يبدو أنَّ هناك تراجعاً خطيراً في تطبيق الأساقفة قانون العقوبات، وإن يكن بشكل غير مقصود، إذ إنّ من واجبهم عدم انتهاك الحقّ والواجب، وأن يحكموا بموجب القانون. هذا ما جعل الكنيسة تأخذ فترة من التأمّل العميق في معنى ووظيفة قانون العقوبات الكنسيّة، الذي يأخذ حيّزاً من جسم الشرع الكنسيّ الكاثوليكيّ، مع أنّه اعتبر في الفترة الأخيرة الجزء المتبقّي، وتقريباً غريباً عن واقع عمل الكنيسة. بيدأنَّ الكنيسة لا تستطيع أن تقف غير مبالية أمام حالات أو سلوكيّات تخالف النّظام الكنسيّ العامّ، والتي &quot;قد تؤثّر سلباً على أداء حياة الجماعة المسيحيَّة، وقد تعرِّض الهدف الروحيّ الذي تتجّه نحوه للخطر&quot;، وخصوصاً عندما تتعرّض الخيرات القانونيّة الكنسيّة للخطر. ولا تستطيع أيضاً أن تتسامح مع الخطيئة، فمن واجبها أن تدافع وتحمي الشخص في حالات الخطيئة، بدعوته إلى التوبة التي هي عمل الروح القدس، وفقاً لتعبير القدّيس أمبروزيوس الشهير: &quot;<em><span dir="LTR">Immaculata ex maculatis</span></em>&quot;. ويكون العلاج المقترح للشخص الخاطىء في قبول التوبة. وجميع الأدوات التي إستخدمتها الكنيسة ضدّ الخطيئة تهدف إلى هذه الغاية.</p><p dir="RTL">ضمن هذا السياق، لدى الكنيسة الثقة في إمكانيّة الخلاص لكلّ فرد. تتأصل جذور هذه الثقة في نهاية المطاف في قوّة النعمة الإلهيَّة، التي هي ممكنة لما هو المستحيل للإنسان (رومة 5، 20). وتستمرّ الكنيسة في مهمّة تحرير الإنسان من الخطيئة، فلا يمكن أن تبقى غير مبالية لهذا الواقع. فهي المقدّسة تضمّ في الوقت نفسه الخطأة في كنفها وترغب دائماً إلى التطهير، ولا تني عاكفةً على التوبة والتجدّد&quot;. ضمن هذه الديناميكيّة تلعب التوبة وندامة الخاطىء دوراً هامّاً. قد إستخدمت الكنيسة هذه الوسيلة في الأيّام الأولى لتحقيق هذه الغاية. وكما يقول <span dir="LTR">GEROSA</span>: &quot; الخطيئة في الكنيسة، كونها إثماً شخصيّاً، ليست أبداً فعلاً &quot;خاصّاً&quot;. إنّها، عندما تكون خطيرة، تؤثّر بعمق على الشراكة ليس فقط بين المؤمنين والمسيح، وإنّما أيضاً بين الفرد المعمّد والكنيسة، لأنّ الانضواءالكامل فيها (...) يتطلّب مسبّقاً &quot;اقتناء روح المسيح&quot;. والكنيسة مؤسّسة ذات سيادة مستقلّة، مجهّزة بتنظيم قانونيّ يطبّق على جميع المعمّدين في الكنيسة نفسها. وكأيّ مجتمع إنسانيّ فهي تحتاج إلى القواعد التي تحكم تنظيمها وعملها &nbsp;لبلوغ الهدف كما أعرب الرومان في مقولة معروفة: <em><span dir="LTR">ubi societas, ibi ius</span></em>. فالكنيسة لها الحقّ بأن تمتلك شرعاً لتنظيم الحياة الإجتماعيّة في الكنيسة ولتحقيق أهدافها الروحيَّة والزمنيّة. ولكي تحقّق الكنيسة أهدافها الروحيَّة تفرض على جميع المؤمنين المعمّدين في الكنيسة الكاثوليكيّة واجب الحفاظ على مجموعة الأنظمة الأخلاقيّة المرتبطة بحياة الإنسان الداخليّة والخارجيّة والأنظمة الجزائيّة التي لها علاقة بأفعال الحياة الخارجيّة فقط. في هذا الصدد يعمل الشَّرع في خدمة الكنيسة، ويُلزم ضمير المؤمن، ومخالفته توجب انزال عقاب شديد، والتقيّد به هو معيار &quot;السلوك الأصيل مع روح الكنيسة&quot;. وطالما هناك خطيئة المخالفة للأنظمة التي تخصّ التعايش الكنسيّ، فمن الضروريّ أن تمتلك الكنيسة، وسيلة قانونيّة تحمي رسالتها الموكلة إليها من مؤسّسها، وتحمي النظام الكنسيّ، وتحقّق هدفها الأعلى وهو خلاص النّفوس&quot;. فتلجأ قبل كلّ شيء إلى الوسائل الرعويّة القانونيّة لهدف إرتداد الخاطىء أو الجانح، وفقاً لخطورة السلوك غير الشرعيّ. هذه هي حيويَّة رسالة&nbsp; الكنيسة، إنّها سرّ الخلاص للجميع.</p><p dir="RTL">ظهرت، من الناحية النظريّة، بعض التساؤلات الأساسيّة: ونخصّ بالذكر ما إذا كانت &quot;العقوبات القاسية&quot; متوافقة مع جوهر الكنيسة قد تجلّت &quot;في أصولها النقية&quot;، وإمكانيّة قبول القانون الجزائيّ&nbsp; في النظام الكنسيّ، الذي قد يبدو على خلاف مع الموقف المسيحيّ من الرحمة والتعاطف الموجَّهين بإستمرّار نحو المغفرة للآخرين. من هذا المنظور، هناك نوع من الشكّ عمّا إذا كان بإمكان الكنيسة أن تكون أمينة لرسالتها عندما تطبّق عقوبات جزائيّة على من يخالفون أنظمتها وشرائعها. أظهر بعض المفكّرين في مجال القانون الكنسيّ &quot;العداء القانونيّ&quot; وبشكل واضح نحو قانون العقوبات، لعدم إمكانيّته التوفيق بين الكنيسة المحبَّة والكنيسة القانون. ومن جانب آخر، لُوحظ أنّ وجود نظام السلطة القسريّة لفرض عقوبة، يقرّب التجربة القانونيّة الكنسيّة، من جانب النَّظرية الغائيّة، لتلك الأنظمة المدنيّة، من خلال حجب الجوهر الحقيقيّ للهيكليَّة الأسراريَّة الكنسيّة التي تمنح النعمة الإلهيَّة لجماعة المحبَّة والإيمان والرجاء، التي هي شعب الله. فالتعارض بين البعد السرّيّ للجماعة الكنسيّة واستخدام أدوات القمع من قبل السُّلطة التراتبية، أو بين الحرّيَّة الإنجيليّة في الإعتراف بالإيمان وتطبيق السلطة القسريّة الجزائيّة، سيكون في الواقع مطلقاً. وهناك من رأى &quot;أنّ إلغاء قانون العقوبات الكنسيّة ينجم عن الذين ليس لديهم أفكار واضحة حول جوهر القانون الكنسيّ، وموقعه في الكنيسة (وخاصّة بشأن علاقته مع غاية الكنيسة الفائقة الطبيعة)​​، أو من قبل الذين ليس لديهم أفكاراً واضحة حول مهمّة قانون العقوبات في الكنيسة وميزاته&quot;.</p><p dir="RTL">وضّح البابا القدّيس يوحنَّا بولس الثاني، في خطابه الأوّل أمام أعضاء الروتا الرومانيَّة في عام 1979: &quot;من خلال رؤية كنيسة تحمي حقوق الأفراد المؤمنين، وتعزّز الخير العامّ في آن واحد(...)، يندرج التنظيم الجزائيّ بشكل إيجابيّ أيضاً، والعقوبة المفروضة من السلطة الكنسيّة، والتي هي في الواقع اعتراف بوجود حالة فيها الشخص يكون منغمساً، كما ينبغي النظر إليها كأداة للشركة، أي كوسيلة استعادة تلك النواقص للخيرات الفرديّة والخيرات العامَّة، التي ظهرت في السلوك غير الكنسيّ، الجنائيّ والمشكوك به، من أعضاء شعب الله. في الواقع، إنَّ مضمون العلاقات القانونيّة بين الأشخاص في الكنيسة هو الخيرات المرئية المشتركة. وتُوزّع هذه الخيرات على كلّ شخص كملكيَّة حقيقيّة له، وهي مرتبطة بواجب الأشخاص الآخرين في جعل هذا التوزيع فعّالاً، كشروط ضروريّة لوجود حقّ حقيقيّ وضمنيّ في الكنيسة&quot;.</p><p dir="RTL">على الكنيسة أن تحمي الخير العامّ المشترك، باعتباره شرطاً لا غنى عنه لنموّ الشخص المسيحيّ. كتب البابا القدّيس يوحنَّا بولس الثاني رسالة إلى أساقفة الولايات المتّحدة في 11 حزيران 1993، موضّحا مهمّة قانون العقوبات في الكنيسة: &quot;العقوبات الكنسيّة المقرّرة لبعض الإهانات والتي تعطي تعبيراً إجتماعيّاًّ لرفض الشرّ، مبرّرة بشكل كامل. فهي تساعد في الحفاظ الواضح على التمييز بين الخير والشرّ، وتعزّز السلوك الأخلاقيّ من خلال تشكيل وعي سليم حول خطورة الشرّ. في الوقت نفسه، &quot;كلُّ خاطئ يتَّبع مسار التوبة والارتداد والغفران يستطيع إستدعاء رحمة الله، وأنتم عليكم أن تشجّعوه وتساعدوه إذا ما ضلّ، لكي يتوبوا ويجدوا سلام الضمير (...) وبهذه الطريقة، فإنَّ الخطيئة لن تصبح سبب شؤم مثير، وإنَّما فرصة لدعوة داخليّة، لأن المسيح قال: &quot;توبوا&quot;، الرَّب قريب&quot;.</p><p dir="RTL">أخيراً، نعتبر مادّة &quot;قانون العقوبات الكنسيّة&quot; من المسائل الحسَّاسة والمهمّة، والتعامل معها يتطلّب الدقّة في اللغة والتعابير، كونها تحمل التأثير السلبيّ على حياة المؤمنين والمجتمع الكنسيّ بأكمله. لذلك، إعتمدنا في كتابنا &quot;شرح قانون العقوبات الكنسيّة في شرع الكنيسة الكاثوليكيّة&quot; على دراسات وكتابات لمؤلّفين والمختصّين في نفس المجال العلميّ نفسه. فهو يحافظ على الهدف الرئيسيّ، الذي يتكوّن من منهجيَّة متماسكة لعرض الأفكار القانونيّة والقضايا الجزائيّة، مما يسمح للقارىء سهولة الفهم والإدراك. كما أردنا تقديم دراسة تحليليَّة قانونيّة لقانون العقوبات في الكنيسة الكاثوليكيّة، حسب التشريع العامّ في الكنيسة اللاتينيّة لعام 1983 (الكتاب السادس) كأساس، مع الإشارة إلى مجموعة قوانين الكنائس الشَّرقيّة الكاثوليكيّة لعام 1990، &nbsp;ناهيك عن إتساع آفاق عرضنا لدراسة التطوّرات القانونيّة المتعلّقة بالمفاهيم في نظام القانون الجزائيّ.</p><p dir="RTL">يقسم الكتاب إلى جزئين: الجزء الأوّل يهدف إعطاء الأساس التاريخيّ والعقائدي لقانون العقوبات في الكنيسة الكاثوليكيّة، مع تحليل مصادر قوانين العقوبات النافذة حتَّى اليوم، زد على ذلك توضيح حجر الزاوية الذي يقوم عليه نظام العقوبات ، بدءاً من حقِّ الكنيسة على ممارسة السُّلطة القسريّة فيما يتعلّق بالمؤمنين الذين إرتكبوا الجرائم. أمَّا الجزء الثاني من الكتاب فقد تناول الجرائم الفرديّة المذكورة في الشرع اللاتينيّ والشرقيّ الكاثوليكيّ، مع إضافات قدّمها الكرسي الرسوليّ بعد صدور الشَّرعين. بالعموم، إنَّ قانون العقوبات الإيجابيّ قائم على ثلاثة معايير: قانون العقوبات الأساسيّ، وموضوعه مفهوم الجريمة والعقوبة؛ قانون العقوبات المادّيّ الذي يحدّد أشكال الجرائم والعقوبات المرتبطة بها؛ قانون العقوبات الإجرائيّ أو الشكليّ، الذي يقرّر أي إجراء يجب أتباعه في تطبيق العقوبة.</p>