موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٥
قتل النفس البشرية مدان

مروان المعشر :

نقلاً عن "الغد" الأردنية

قتل النفس البشرية من دون وجه حق، مدان في الشرائع السماوية كافة، خاصة إن كان هذا القتل موجهاً ضد المدنيين العزل الذين لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا متواجدين في المكان والزمان الخطأ.

قتل النفس البشرية مدان حين يمارَس من إسرائيل التي شردت شعباً بكامله وطردته بقوة السلاح من أرضه منذ العام 1948، ومارست ضده الإرهاب المنظم وما تزال. وهي تقصف غزة ولبنان من دون أن يرف لها جفن جراء ما يقع من ضحايا مدنيين عزل، وتحرم الفلسطينيين من ممارسة أبسط حقوقهم في العيش في وطنهم بحرية وأمان.

قتل النفس البشرية مدان حين ألقت أميركا قنبلتين نوويتين ضد السكان المدنيين في هيروشيما ونكازاكي باليابان، فقتلت مئات الآلاف في لحظة واحدة، وعانى الباقي لعقود من الزمن من أثر أسلحة الدمار الشامل هذه.

قتل النفس البشرية مدان حين استهدفت هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 المدنيين العزل في نيويورك، فأودت بحياة الآلاف من الناس.

قتل النفس البشرية مدان حين يمارس من الجماعات الشيعية المسلحة في العراق، ضد إخوانهم وأخواتهم السُنّة، لترهيبهم وإخراجهم من بيوتهم، وحرمانهم من العيش الآمن داخل وطنهم ومنازلهم.

قتل النفس البشرية مدان حين يمارس من "داعش" أو "القاعدة" أو غيرهما من الجماعات التكفيرية، مستهدفة أماكن عبادة المواطنين الشيعة، وحين تستهدف الأبرياء لمجرد انتمائهم لمذاهب أخرى، حتى لو كان هذا المذهب سنياً ولكنه يختلف في تفسيره للدين عن تفسير هذه الجماعات.

قتل النفس البشرية مدان حين يحرق الناس أحياء كالشهيد البطل معاذ الكساسبة، أو حين فجر أعداء الحياة فنادق في عمان وقتلوا الأبرياء المحتفلين بالحياة.

قتل النفس البشرية مدان حين يرمي النظام السوري البراميل المتفجرة على شعبه، فيقتل الناس بلا هوادة، إذ لا تفرق هذه البراميل بين المدني وغير المدني. ولا يخفف من فظاعة هذا العمل المواقف السياسية للبعض الذين يجدون له تبريراً مقززاً.

قتل النفس البشرية مدان حين استهدفت التفجيرات الأبرياء في بيروت، لأنهم يعيشون في ضاحية غالبيتها من السكان الشيعة، فتم قتل العشرات ودفنت الحياة من أجل إرسال رسالة سياسية لحزب الله.

قتل النفس البشرية مدان أينما يمارس في العالم ضد الأبرياء، لمجرد تسجيل مواقف أو تحقيق مآرب سياسية أو مذهبية، أو لاختلاف البعض مع مواقف الدول التي ينتمي إليها من فجروا أو قتلوا أو أحرقوا.

قتل النفس البشرية يجب أن يكون مداناً أيضاً حين قتل الناس في باريس هكذا بدم بارد، وبغض النظر عن أي ذرائع سياسية أو مذهبية أو غيرها.

عندنا ندين هذا القتل، نمارس جزءاً من إنسانيتنا، ونرفض أن تؤخذ الحياة عنوة؛ لأن سالبي هذه الحياة أرادوا تسجيل موقف معين من حكومات الأبرياء الذين أنهيت حياتهم ودمرت حياة أحبائهم من دون ذنب. وعندما نرفض هذه الإدانة بحجة أننا أيضاً تعرضنا للظلم والقهر والقتل، فكأنما نعترف فقط بقدسية حياتنا وننكر هذه القدسية عن حياة الآخرين.

قتل النفس البشرية مدان. ولا تعني الإدانة تجاهلنا لما يمارس من ظلم ضدنا، كما لا يجب أن تعني اضطرارنا لتعداد كل ما حل بنا من مصائب لنبرر هذه الإدانة. إنها تعني بكل بساطة رفض أي عمل يجعل من الحياة رخيصة لدى البعض، سواء جرى في فلسطين أو الأردن أو سورية أو العراق أو لبنان، وسواء جرى أيضاً في باريس أو مدريد أو لندن أو الولايات المتحدة. إذا كما نطلب من العالم إدانة ما يجري من قتل ضدنا، فمن واجبنا أيضاً إدانة ما يتعرض له هذا العالم الواسع من قتل بمثل هذه الهمجية.

قتل النفس البشرية مدان، نقطة على السطر.