موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٢ سبتمبر / أيلول ٢٠١٩
في اليوم العالمي للسلام: صديقك من صدقك وصدّك

بشار جرار :

تسبب اضطراب الساعة البيولوجية جراء السفر عبر النصف الآخر من الكرة الأرضية بنسيان مناسبة أحبها هي اليوم العالمي للسلام. شكرا للأب د. رفعت بدر وهو صديق في العالمين الحقيقي والافتراضي الذي طرح تساؤلا ذكرني بالمناسبة على الفيسبوك: ماذا يخطر ببالك الآن؟

للأمانة كنت لحظتها مسكونا بالقدس أحدث أهلي عما جال في خاطري خلال زيارة عمل مكثفة وخاطفة شرفت بها الأسبوع الماضي شملت "المنطقة" وكانت درة محطاتها القدس وعمّان.

بتواضع العارفين ببعض من جهلهم وضعفهم وخطاياهم وأخطائهم وعثراتهم أقر أنا "بشار" المعروف أيضا باسم "بن" في أميركا لصعوبة لفظ الأسماء المشدد باللغة الإنجليزية، أقر أنه وبعد ثلاثة وثلاثين عاما من العمل الإعلامي والدراسة الأكاديمية المتخصصة بحل النزاعات وصنع السلام ومحاربة الإرهاب وتعزيز حوار الأديان، أقر وأعترف بأن أسّ البلاء (العنف بكل أشكاله ومستوياته) هو الكذب. نعم الكذب، وعليه فإن على الراغبين حقا بصنع السلام وما يسبقه ويرافقه ويتبعه عادة من تنمية وازدهار ورفاه وعدالة، عليهم فقط الصدق وتلك فضيلة أو لعلها ثقافة والتزام لا تكلف لا هبات ولا مساعدات ولا قروضا.

في الأديان كلها حثنا رب العالمين وسيد الأكوان والمكان والزمان حثنا سبحانه -له المجد- على الصدق. في الحديث النبوي ورد "الصدق منجاة" وفي الكتاب المقدس ورد "الحقيقة تحرر". وما كان عبثا أن يصف الكتاب المقدس الشيطان بالكاذب والسارق. فمن كذب سرق لا محالة. ومن ضاعت الحقيقة منه فقد سلامه لا ريب. لا مخدر ولا مسكر ولا منشط ولا مسكن ولا مضاد حيوي سيعالج الضعف والتلف الذي سيأكل -إن عاجلا أم آجلا- ما أراد الله أن يكون هيكله الأكثر قداسة على وجه المعمورة ألا وهو ذاك الجسد العظيم الذي بناه ربنا الأعظم - الأكبر مستودعا لروح هو رادها لباريها.

قبل سنين طويلة -ولله الحمد- خبرت عن قرب فوائد السلام الجمة، أعني بذلك الصدق مع الذات والآخر، أيا كان ذلك الآخر. فما دامت الروح أعظم من الجسد الذي مهما علا وسما يتحلل ويعود إلى تراب، فكلنا ـخلق الله- سواء، السر فينا واحد يتمثل بالروح أما العقل والجسد فتلك مسائل نسبية ومؤقتة.

لكن من رحمة الله بنا وحكمته، أن أعطانا الكثير من الأمثلة للدلالة على الطريق. عندما يكون الحديث عن طرق، تصدق مقولة "لكل شيخ طريقته"، لكننا عند الحديث عن النجاة والنعيم ما لنا سوى الطريق بألف التعريف توكيدا لوحدته. أما البوصلة فهي الصدق بالتوجه إلى مصدر الحياة ألا وهي الروح وواهبها.

أشهد يقينا أن ما من مشكلة، معضلة أو كارثة واجهتها في حياتي وحياة من أعرفهم عن قرب إلا وكان المعيار الأساسي والجوهري فيها هو الصدق مقابل الكذب - النور مقابل الظلام. صحيح أن الأمور أحيانا لا تكون واضحة بهذا الجلاء لكن النجاة في هبة الخالق لنا، المماثلة إلى حد كبير والمكملة لعطية روح الحياة عبر الميلاد وتلك الصرخة الأولى بعد قطع الحبل السري من عالم مظلم داخل الرحم إلى عالم النور خارجه حيث تمكن روح الله كل خلقه من الهدي إلى ما فيه سر البقاء في عالم يسوده الصراع، عالم محكوم بالفناء لحين البعث والخلود، إما نعيما مع الله وإما جحيما بالحرمان منه ومن رضاه.

استعرض ما شئت من الأمثلة، سترى أن الحل في الصدق والامتناع عن الكذب. أكتفي بثلاثة أمثلة: لو واجهنا الإدمان بحقيقة وشجاعة الإيمان لنهرنا شيطان العبودية للسيجارة مثلا وقلنا له "الكيف" والتركيز ليس بزيف وهمك وشرور سمومك بل من الجسم الصحي الخالي من مئات المواد المسرطنة والسامة. لست بحاجة سوى إلى التنفس العميق الهادئ والمنتظم لزيادة التركيز وتخفيف التوتر. هذا الصدق يثمر أيضا انخفاضا بحالات العنف الأسري وحوادث السير. أما المثل الثالث والأخير وهو كبير على مستوى الوطن: فلو صدقنا أصدقاؤنا "المانحون الدوليون والحكومات والبرلمانات والأحزاب وقادة المجتمع" لصدّونا عن كوارث أكبر من التدخين، منها الاستدانة باسم أحفاد أحفادنا لما تجاوز التسعة وعشرين مليار دولار.

يا رب اكتبنا مع الصادقين وكفى، فأنت أرحم الراحمين، واهب روح الحياة والحياة بالروح.. وهذا سلام في يوم السلام أرفعه من واشنطن إلى مدينة الحب الأخوي فيلاديلفيا ربة عمّون عمان، وتوأم الروح أورسالم أورشاليم القدس. سلام إلى قدس القدس فلا سلام سواه..