موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٠ فبراير / شباط ٢٠١٦
في اللقاء المسكوني التاريخي بين البابا وبطريرك موسكو

بقلم: اندريا تورنيلي، ترجمة: منير بيوك :

ستسود روح من المسكونية زيارة البابا فرنسيس القادمة إلى المكسيك. فقد تم الإعلان أن البابا سيجتمع مع بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل في كوبا في الثاني عشر من شباط. هذا اللقاء بين أسقف روما وأسقف ما يشار إليه باسم "روما الثالثة"، بعد كرسي خليفة القديس بطرس وكرسي خليفة الرسول أندراوس في القسطنطينية.

نشر الخبر مدير المكتب الصحفي للكرسي الرسولي الأب فيديريكو لومباردي في بيان صدر عن الفاتيكان وهذا نصه: "يسر الكرسي الرسولي وبطريركية موسكو أن يعلنا أنه، بنعمة الله، سيجتمع قداسة البابا فرنسيس وقداسة البطريرك كيريل، بطريرك موسكو وسائر روسيا، في الثاني عشر من شباط القادم. سيعقد الإجتماع في كوبا، حيث سيتوقف البابا في طريقه إلى المكسيك، في حين سيقوم البطريرك بزيارة رسمية. وستشمل حواراً شخصياً في مطار خوسيه مارتي الدولي في هافانا، وتختتم بتوقيع بيان مشترك. سيكون هذا الاجتماع بين رئيسي الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الروسية، الذي أعد له طويلاً، الأول من نوعه في التاريخ، وسيشكل مرحلة مهمة في العلاقات بين الكنيستين. ويأمل كل من الكرسي الرسولي وبطريركية موسكو أن يشكل أملاً لجميع الناس ذوي النوايا الحسنة. إنهما يدعوان جميع المسيحيين للصلاة بحرارة طالبين من الله أن يبارك هذا الاجتماع وأن يؤتي ثماراً جيدة".

قال الأب لومباردي أن الاجتماع سيستمر "لمدة ساعتين". وسينضم إليهما الرئيس الكوبي راؤول كاسترو خلال تبادل الهدايا. وفي هذا الاجتماع، غير المسبوق، بين البابا ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، سيوقع البابا فرنسيس وكيريل على بيان مشترك ويخاطب كل منهما الآخر.

سيكون راؤول كاسترو في استقبال البابا عند هبوطه من الطائرة في مطار هافانا الدولي. وقال المتحدث باسم الفاتيكان أنه بعد ما يقرب من ثلاث ساعات، سيرافق فرنسيس إلى الطائرة التي ستنقله إلى مدينة مكسيكو "بموجب البرنامج المعد". وأضاف مشيراً إلى أن "البابا فرنسيس وكيريل سيجتمعان بعد فترة إعداد استمرت عامين". ويجدر القول أن كوبا هي مكان "محايد" كما أنها مكان مهم لكلا الطرفين. إنها مفترق طرق في عالم اليوم. فقد باتت المكان المعروف للكنيسة الأرثوذكسية الروسية وللكرسي الرسولي أيضاً في ضوء الزيارات البابوية الثلاث التي وقعت بين عامي 1998 واليوم".

أضاف الأب لومباردي أنه "بعد أن علم البطريرك المسكوني برثلماوس بالاجتماع المرتقب بين البابا وبطريرك موسكو كيريل، أعرب عن فرحته وبهجته بسماع أخبار العناق بين زعيم الكنيسة الكاثوليكية ورئيس أكبر تجمع أرثوذكسي في العالم".

وفي هذا الأثناء، ذكر رئيس الأساقفة هيلاريون في المؤتمر الصحفي الذي عقد في دائرة العلاقات الخارجية الكنيسة التابعه لبطريركية موسكو إلى أن اللقاء التاريخي بين بطريرك موسكو والبابا "قد تم الإعداد له لنحو عشرين عاماً" وتم تسريعه بسبب "الإبادة الجماعية للمسيحيين" التي قام بها إرهابيون. ففي مواجهة ما يجري "وما يسبب القلق" لكلا الكنيستين، كان على الزعمين الروحيين بكل بساطة "أن يلتقيا". أكد هيلاريون أيضاً أنه سيجري اللقاء التاريخي الأول بين البطريرك الأرثوذكسي الروسي والبابا في كوبا وليس في أوروبا، لأن الجزيرة الواقعة في البحر الكاريبي هي على حد سواء "منطقة محايدة" وهي المكان الذي "تنمو فيه المسيحية". فأوروبا من ناحية أخرى، هي مسرح "النزاع" بين الكنيستين التي لا تزالان تواجهان مشكلات، مثل قضية الأوكرانيين الروم الكاثوليك التي تحتاج إلى حل. وأضاف، في الماضي تم ذكر النمسا بعاصمتها فيينا ضمن قائمة "البلدان الثالثة" التي قد تستضيف الاجتماع المحتمل بين الزعمين الروحيين للكنيستين الشقيقتين.

في الثلاثين من تشرين الثاني 2014، وأثناء رحلة العودة من اسطنبول حيث ترأس احتفالات رسمية بعيد القديس أندراوس بناء على دعوة البطريرك المسكوني برثلماوس، أجاب فرنسيس على سؤال لمراسل وكالة الأنباء الروسية ايتار تاس في روما أليكسي بوكالوف حول احتمال عقد لقاء مع كيريل، أجبته: "أبلغت البطريرك كيريل، وقد وافق، هناك رغبة للقاء... يرغب كل منا ان يجتمع والمضي قدماً".

المسكونية هي أولوية لفرنسيس الذي غالباً ما تحدث عن "مسكونية الدم"، التي تنطوي على اضطهاد المسيحيين من مختلف الكنائس. قال فرنسيس خلال رحلة العودة من زيارته الرسولية لاسطنبول: "إن شهداءنا يستغيثون. نحن واحد! لدينا بالفعل وحدة بالروح وبالدم". كما أوضح أن "الإقرار بالتكامل بين طقوس الكنيسة الشرقية مع الكنيسة الرومانية التي يتم فيها قبول سلطة بابوية دون فقدان الليتورجيات المختلفة أو سلطات البطاركة المحليين" هو أمر قائم. نحن لا نستطيع التحدث في هذه الأمور اليوم. نحن بحاجة إلى إيجاد وسيلة أخرى".

وبالفعل، فهذا الإقرار يشكل في أوكرانيا قضية شائكة في العلاقات بين الكاثوليك والأرثوذكس. فأوكرانيا ليست فقط موطناً للكاثوليك الذين يتبعون الطقس الشرقي ويعيشون بشركة كاملة مع الكنيسة في روما، أو للكنيسة الأرثوذكسية في موسكو، ولكن أيضاً للكنائس المستقلة الوطنية. وقبل أيام قليلة، في مقابلة نشرتها (Inside the Vatican)، علّق رئيس المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين الكاردينال كورت كوخ على أهمية قرار فرنسيس حضور الاحتفال اللوثري بالذكرى السنوية الخمسمئة على الاصلاح في لوند، السويد، في تشرين الأول، عقب الإعلان عن اللقاء المقبل مع البطريرك الروسي قائلاً: "لقد تغيرت إشارات المرور من الأحمر إلى الأصفر"، وهذا يشير إلى أن هناك بعض التقدم.

وكان كيريل قد خطط لزيارة كوبا في الفترة نفسها التي كان من المقرر أن يزور فرنسيس المكسيك (12-17 شباط). وكان راؤول كاسترو قد دعاه بصورة شخصية حين زار موسكو في أيار من العام الماضي. ويشير إعلان اليوم إلى أنه تم التخطيط للإجتماع المقرر ببطء، وبسرية كاملة، وأن إمكانية عقد اجتماع كانت تنضج خلال التحضير للرحلة المكسيكية.

كان هناك لسنوات عديدة الحديث عن اجتماع محتمل بين زعيم الكنيسة الكاثوليكية وبطريرك موسكو. فحلم يوحنا بولس الثاني بالقيام برحلة الى موسكو لم تتحقق أبدا. وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذها يوجتيلا لإظهار الانفتاح المسكوني، والكتابة على سبيل المثال في رسالته العامة التي تشير إلى استعدده لمناقشة الطريقة التي كان يمارسها سابقه بطرس، فإن العديد من الأبواب بقيت مغلقة. كما يجب عدم النسيان من أنه اعتبر الأرثوذكس الروس أصول البابا الراحل البولندية عقبة. فالعلاقات بين الروس والبولنديين لم تكن وردية طوال التاريخ. كما أن تم تصوير أسقف روما، الذي جاء من فادوفيتشي، على أنه كاثوليكي "فاتح". وقد تفاقم التوتر في العلاقات بقرار يوحنا بولس الثاني إنشاء أبرشيات كاثوليكية في روسيا.

عززت انتخاب اللاهوتي بندكتس السادس عشر من احتمال اجتماع مثيل، إلا أنه لم يحدث قط. فعندما توفي بطريرك موسكو أليكسي الثاني حل مكانه كيريل. وللبطريرك الروسي صلاحيات على أكثر من ثلثي المؤمنين الأرثوذكس البالغين مئتي مليون في العالم. وسيشكل لقاء فرنسيس في هافانا خطوة جديدة وهامة نحو الانفراج الكامل في العلاقات. وستتجاوز نتائج تلك العلاقات بين الكاثوليك والأرثوذكس نحو سلام في العالم.