موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٧ يوليو / تموز ٢٠١٧
فنّ القراءة

د. صلاح جرّار :

ليست القراءة أن تميّز الكلمة وحروفها وتعرف ضبطها بالحركات وتعرف معناها فقط، فما تلك إلاّ صورةٌ من صور محو الأميّة، وخطوةٌ أولى نحو إجادة فنّ القراءة، لأنّ فهم الكلمة الواحدة لا يغني من الأمر شيئاً، لأنّ للكلمة الواحدة أحياناً معاني كثيرة، ولا يمكن تحديد المعنى المقصود من النصّ إلاّ من خلال معرفة السياق الذي ترد فيه الكلمة، فكلمة (العَيْن) على سبيل المثال لها معانٍ كثيرة، ولا يمكن تحديد أيّ من هذه المعاني إذا وردت الكلمة منفردة، غير أنّ بعض الناس عندما يقرأون نصّاً إنّما يقرأون كلماتٍ معزولة بعضها عن بعض، ويحكمون على النصّ من خلال هذه القراءة التفكيكية. وربّما فهم هذا النوع من القرّاء معنى الكلمة من خلال سياقها في الجملة، لكنّ ذلك يبقى غير كافٍ لتصدّيه للحكم على النصّ من خلال فهم معنى كلّ جملة على حدة، إذ لا بدّ له قبل إصدار أحكامه من إدراك المعاني الكليّة للنصّ، ويتحقق ذلك من خلال إدراك العلاقات بين الجمل بعد أن يكون أدرك معاني المفردات من خلال سياقاتها في جملها، وبعد أن يكون استطاع بداية قراءة الكلمات وتمييز حروفها وضبط حركاتها.

غير أنّ إدراك المعاني الكليّة للنصّ يحتاج إلى كثير من المهارات، منها استقصاء خلفيات النصّ والباعث على كتابته، ومنها فهم إشاراته ورموزه، وربّما احتاج الأمر إلى تقصّي خلفيات كاتبه ومعرفة آرائه ومواقفه وخبراته وثقافته. إنّ على القارئ أن يحكم على النصّ من خلال رؤية الكاتب لا من خلال رؤية القارئ نفسه فقط.

إنّ فنّ قراءة النصّ، سواء أكان علميّاً أم أدبيّاً أم فكريّاً، يحتاج إلى مراعاة أصوله وقواعده قبل إصدار أي حكمٍ عليه أو على كاتبه.

ومن المعروف أنّ كثيراً من المقالات والقصص القصيرة والروايات والقصائد والنصوص المسرحية لا يستطيع القارئ إدراك بعض مقاصدها وأبعادها إلاّ بعد الانتهاء من قراءتها والوقوف دقائق صمت في تأمّلها والتفكير فيها.

(نقلاً عن الرأي الأردنية)