موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٨ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٩
فرنسيس في اليابان.. لا للأسلحة النووية

إميل أمين :

ما الذي يجعل الحبر الأعظم للكنيسة الرومانية الكاثوليكية البابا فرنسيس، صديق العرب والمسلمين، يتوجه إلى دولة اليابان، التي لا يتجاوز عدد أتباعه فيها من الكاثوليك خمسمائة ألف نسمة، وسط دولة يصل عدد سكانها إلى 128 مليون نسمة؟.

المؤكد أن اليابان لها رمزية خاصة، تتقاطع مع رؤى وأولويات البابا فرنسيس، الساعي إلى تحقيق السلام العالمي في فترة حبريته، والداعي إلى استخدام موارد الخلق من أجل تنمية مستدامة، وتحسين نوعية الحياة للجميع، من أفراد وبلدان، من دون تمييز.

تبقى اليابان رمزاً للإنسانية المتألمة التي عرفت مرارة الحروب، والتي اكتوت بنيران الأسلحة النووية، نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت المرة الأولى، ويأمل فرنسيس أن تكون الأخيرة على صعيد استخدام ذلك السلاح الفتاك.

في كلمته التي وجهها إلى الشعب الياباني، قبل زيارته، أشار فرنسيس بابا الفقراء ورسول السلام إلى أن "استخدام الأسلحة النووية أمر لاأخلاقي "، وأكد أن عنوان رحلته هو "حماية كل حياة"، قائلاً إن "هذه الغريزة التي تصدح فينا، أي حب الحياة والبقاء، تدفعنا للدفاع عن قيمة وكرامة كل إنسان، وتكتسب أهمية بالغة بوجه التهديد ضد التعايش، خاصة في الصراعات المسلحة.

والشاهد أن هناك عبارة مثيرة وردت في كلمة البابا فرنسيس لليابانيين، أشار فيها إلى "الدفاع عن السلام بشراسة، ومن دون العودة إلى الوراء"... ما الذي يقصده فرنسيس بهذه الكلمات؟.

باختصار غير مخل، إنه يلمح إلى المادة 9 من الدستور الياباني الحالي، ذاك الذي تم فرضه على اليابانيين، بعد الحرب الكونية الثانية واستسلامهم لقوات الحلفاء، وهذه المادة تحديداً تمنع اليابانيين من تكوين الجيش أو الدخول في حروب جديدة، إقليمية أو دولية.

ولعل المتابع للشان الياباني لا سيما منذ وقت رئاسة وزراء "شينزو آبي" يجد رغبة يابانية قوية من الأجيال الشابة، تسعى إلى الخلاص من إرث الهزيمة، وتكوين جيش قوي قادر على الدفاع عن اليابان، لاسيما وأن هناك إرهاصات لخلافات تقليدية، تعاود الظهور من الصين تارة، ومع روسيا الاتحادية تارة أخرى.

لا يقتصر الأمر على فكرة إنشاء قوات مسلحة يابانية حديثة، وقد كان لليابان جيش عرمرم من قبل، وأسطول مثير ومعارك حربية، لا يمكن لأحد أن ينساها كمعركة بيرل هاربور، التي أغرق فيها اليابانيون قطعاً عديدة من الأسطول الأميركي، إذ تبدو التطلعات إلى امتلاك سلاح نووي، يكون مكافئاً موضوعياً لقوة روسيا والصين واردة بقوة.

هنا يتساءل البعض: وهل لليابان من مسارات أو مساقات إلى هذا الطريق؟

الجواب الشافي الوافي: نعم، فلديها الآن الخبرة التكنولوجية والعلمية، وتكفيها ستة أشهر فقط كي تحوذ هذا السلاح الرهيب والفتاك، إن اتخذت القرار السياسي لامتلاك القنبلة النووية.

هنا يضحى سلام قارة آسيا، كسلام بقية العالم، مهدداً بدرجة أكبر، فاليابان رقم صعب على الخريطة الدولية، وفي قلب آسيا، التي هي في الأصل مركز ثقل العالم في القرن الحادي والعشرين.

من هنا يفهم المرء أنه عندما يتكلم فرنسيس عن العودة إلى الوراء، فإنه يقصد عدم الالتفات إلى الأصوات الداعية إلى إعادة إحياء نعرات الثأر، واللجوء إلى القوة الغاشمة، وعوضاً عن ذلك، السعي إلى الاحترام المتبادل، واللقاء الذي يؤدي إلى سلام دائم وثابت، سلام لا يعود إلى الوراء، وللسلام جمال بحيث أنه عندما يكون حقيقياً، لا يعود أبداً إلى الوراء، بل ندافع عنه بشراسة.

خلال زيارته لليابان، أطلق فرنسيس دعوة قوية لصالح اتخاذ إجراءات مشتركة للقضاء على الأسلحة النووية، وحث العالم في كلمته على التنبه لكارثة " ثقافة اللامبالاة النووية" بنوع خاص، وقد كانت هناك أكثر من سابقة لفرنسيس بينت إلى حد كبير كيف أنه مهموم ومحموم بإشكالية الصراع النووي في العالم، سيما بعد إلغاء الاتفاقيات الأخيرة بين موسكو وواشنطن، وهناك الآن ما يهدد السلام العالمي، من خلال السعي في طريق التسلح النووي مرة جديدة، وبصورة أسوأ مما كان عليه الحال خلال الحرب البارة.

مطلع عام 2018 وخلال أحد أسفاره، وزع البابا فرنسيس صورة على الصحفيين التقطت في ناكازاكي عام 1945، تظهر طفلاً يابانياً يحمل على ظهره شقيقه الأصغر المتوفى، معلقاً عليها بأربع كلمات: "هذه هي ثمار الحرب".

يستشرف فرنسيس حال ومآل العالم، والخوف من الدخول في دائرة الهلاك النووي المرعب والمفزع، ولهذا وجدناه في يناير الماضي، يصرح بأنه يخشى بالفعل نشوب حرب نووية، وأن العالم الآن "على مقربة شديدة"، من هذا الخطر.

جاءت تلك التصريحات والبابا في طريقه إلى زيارة تشيلي وبيرو، بعدما صدر إنذار خاطئ من إطلاق صاروخ على هاواي، مما أثار الذعر في الولاية الأميركية، وسلط الضوء على احتمال نشوب حرب نووية مع كوريا الشمالية، من دون قصد.

ورداً على سؤال عن احتمال الحرب النووية، قال البابا فرنسيس: "أعتقد أننا على مقربة شديدة منها، أخشى هذا حقاً. إن حادثاً واحداً يكفي بالتعجيل بالأمر".

يتمتع فرنسيس بكاريزما القائد العالمي، القادر على إظهار فداحة المواجهة النووية وتكلفتها غير المحتملة على الكرة الأرضية، ورغم أنه رئيس أصغر دولة في العالم، من حيث الجغرافيا، فإنه الأكثر سلطة روحية على عدد من الأتباع في العالم، إذ تضم كنيسته نحو مليار وثلاثمائة مليون في العالم.

والشاهد أن للفاتيكان مسيرة طويلة في السعي ضد المواجهة النووية، ففي 20 سبتمبر 2017 وقع الكرسي الرسولي معاهدة حظر الأسلحة النووية، ويمتد الأمر إلى سلفه البابا يوحنا بولس الثاني، الذي ألقى خطاباً قوياً عام 1981 أمام نصب تذكاري مكرس للسلام في هيروشيما، وقال حينها البابا البولندي: "الحرب من صنع الإنسان، تذكروا هيروشيما، وهذا هو رعب الحرب النووية ".

يركز فرنسيس على ثلاث نقاط في طريق النزع النهائي للأسلحة النووية: عدم فاعلية الردع النووي، تداعيات لا يمكن السيطرة عليها، وهدر الأموال على تقينات نووية عسكرية.

هل يستمع العالم إلى نداء فرنسيس بابا الفقراء من اليابان؟

(skynewsarabia)