موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٠ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
غياب ثقافة الحب

د. محمد القضاة :

ما أقسى الحياة؟ وما أجملها! جملتان تتقاطع فيهما المعاني، تحس في الأولى ان الزمن يقصف العمر، وتشعر في الثانية ان المكان يفوح بالجمال، وبين الصورتين يولد هذا المقال الذي يناقش غياب ثقافة الحب في حياتنا اليومية؛ في العمل والشارع والبيت والمجالس والكتابة والحوار والصورة، ولنبدأ بهذا القول:» البعض يفسر أدبك على أنه «خوف»؛ لأنه لا يعرف الموّدة دون مُقابل، والبعض يُفسر طيبتك أنها «غباء»؛ لأنه لم يعتد إلا على سواد قلبه.!»، جملة تختصر جبالاً من المعاني والأفكار، وكأنه لا يجب ان تكون مؤدبا ولا طيبا ولا إنساناً، وإنما عليك ان تعيش الخوف في ثياب خادعة لا تعرف الحب ولا الخير ولا القيم الانسانية النبيلة ولا حتى المعاني الانسانية.

تعود الى مجمل ما ترى وتقرأ وتسمع تجد نفسك في متاهات غريبة، تتأمل المشاهد والصور تجدها مسطرة واحدة، تسأل في قرارة نفسك ما الذي أوصل الناس الى هذا المستوى من رمادية أفق الحياة وسواد ثقافة الكراهية، ونحن لا نريد ان نقترب من مجتمع الكراهية؛ لاني كتبت فيه غير مرة، نريد ان نتعلم ثقافة الحب، وان نتجاوز الطاقة السلبية والضعف والقصور بالجد والعطاء والشكر والصبر والعمل والاخلاص والحب، وان نجيب عن سؤال: متى نتعلم ثقافة الحب؟ ومتى يشعر الفرد ان الفطرة تعلمه الحب وترفض الكره؟ متى نعلم الأطفال أن الحب والعطاء هما اساس الحياة؟

وتعالوا معي نقارن بين ثقافة الحب وثقافة القتل والدم، ثقافة البناء والتسامح والعطاء بثقافة الهدم والدمار والخراب، ثقافة التطوع والعمل الخيري بثقافة الانكماش والبخل والانزواء، وتعالوا لنقرأ بعمق مآلات الحب والألم في زمن فقد الانسان فيه صوابه وغدا في تيهٍ غريب، تعالوا لنعيد للإنسان شيئا من توازنه بنشر ثقافة الحب التي تعلمنا التسامح والود والاحترام، وتؤكد ان الحياة تمضي بسلاسة ويسر، وانه لا غنى ولا قيمة للإنسان دون تعزيز أواصر العلاقات مع بني جلدته؛ ولنعزز هذه الثقافة السامية عن كل معاني الكراهية والبغضاء والتشاحن حتى يعيش الجميع اجواء الاستقرار النفسي والاجتماعي، وما احوج اولادنا وأسرنا ومجتمعنا الى التعاون والتعاضد والمحبة كي يبقى قويا في وجه التحديات والصعاب، والأمل بمؤسسات المجتمع المدني والمنابر الإعلامية والتربوية ان تشيع هذه الثقافة وتدافع عنها وتدفع بها الى الامام. وبعد، لنبادر لزرع بذور الخير في الحياة بالجد والعمل والتطوع ومساعدة الناس وتقدير انجازاتهم وإبداعاتهم وحوارهم على قاعدة انهم مثلنا ونحن لسنا افضل منهم، وحتى تشيع ثقافة الحب وتعود الى مفاصل الحياة بكل معانيها.