موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٦ أغسطس / آب ٢٠١٧
عنف التابوهات يولد عنفا موازيا في تحطيمها

سارة طالب السهيل :

نعيش مفردات حياتنا اليومية مغلفين بتابوهات صنعتها الاجيال المغرقة في القدم ونظل مطالبين بالحفاظ عليها وتقدسيها في أمور حياتنا السياسية والدينية وعلاقاتنا العاطفية الانسانية، ومع مرور الزمن فان هذه التابوهات امتدت لكل اشكال حياتنا الاجتماعية، ومن يتجاوز خطوطها الحمراء بات محكوما عليه بالنبذ الاجتماعي.

ولاشك ان هذه التابوهات باتت تشكل عنفا يعرقل جهود اي فكر انساني للتطور والتجديد، فالحياة متجددة كماء النهر، واذا لم يتجدد ماء النهر ركد ولم يعد صالحا لحياة الانسان والزرع والحيوان.

فسنة الله في خلقه وكونه هي التغيير، وما ينسحب علي الطبيعة يجري علي بني البشر، ولذلك فأننا نجد انه مع مرور السنوات الطوال ان المناطق الحارة تغيرت طبيعة مناخها واما تحولت لصحراء جرداء او مطيرة، والمناطق التي كانت تجري فيها الجداول ومصبات الانهار قد جفت وتعرت ارضها من الخضرة اليانعة واكتست لون الصحاري او العكس.

فقد تنهض امة من الامم وبعد ان تكمل دورتها الهرمية تنهار وتزول وتصبح في خبر كان، بينما تنهض امة اخري فتشيد حضارتها من الصفر بجهد ابنائها وتعاونهم وعلمهم واجتهادهم وكل ذلك مرتبط بفعل التغيير والتجديد الكوني.

ورغم ان ' كلمة تابو ' ترجع إلى لغات سكان جزر المحيط الهادي، وترتبط بمصطلح 'الطوطم'، أو الرمز المقدس لدى العشيرة أو القبيلة أو الجماعة، وتشير إلى الممنوع من فعل أو قول في المجتمعات البدائية التي تعبد ما تخشاه من ظواهر وحيوانات مفترسة، وتتخذها آلهة لها، تقدسها وتحرم الاقتراب منها.

غير ان التابو قد نقله الرحالة جيمس كوك للغات الغربية، وتطور مفهومه عبر الازمنة ليمنع التعاطي مع الدين والسياسية والعلاقات الخاصة، لكنه سرعان ما تطور في دلالاته الاجتماعية ايضا إلى عدم تجاوز كل الاعراف الاجتماعية والمورثات الثقافية التي ثبت بالتجربة الحياتية مدى الحاقها الضرر بالإنسان صحيا ونفسيا ومعرفيا لأنها تحرمه من نعمة الحرية التي وهبها له الخالق وفق ضوابط شرعية.

وبحسابات اي منطق انساني وديني، فان غالبية البشر يعتقدون بصحة ' انت حر ما لم تضر'، فان الحرية طالما اصطدمت بالثوابت الطوطامية المقدسة التي تحافظ على الموروث ولا تنظر لطبيعة الحياة المتغيرة. فانتمائي لأسرتي وقبيلتي هو جزء من ذاتي واخلاصي ولكنه لا ينبغي ان يكون مبررا تحت اي ظرف لقبول ما لا يرتضيه عقلي وقلبي.

فحريتي، على سيبل المثال ـ في ابداء رأي سياسي مخالف لاتجاه اسرتي او قبيلتي لا ينبغي ان يكون مصيره الرمي بالخيانة، وكذلك تناولي لقضايا المرأة و المطالبة بحقوقها المشروعة لا ينبغي ان يكون مدعاة لاتهامي بالخروج عن الموروثات فليس كل الموروثات على حق و كذلك دفاعي عن حقوق الطفل في ضل مجتمع يهمش الأطفال و لا يؤمن بأهمية إعداده للمستقبل كونه هو المستقبل لا ينبغي لهم اتهامي بالانشغال بما لا يجدي او بالأمور الثانوية و كذلك الأمر في ما يخص الكثير من القضايا التي عليها تابوهات مسبقه و أحكام مسبقه الا انهم لو أعطوا أنفسهم الفرصة للتفكر بالأمر اوجدوا ان تابوهاتهم هذه غير منطقيه و لا تمت للعقل او العصر بصلة و انها ليست من المقدسات تحت اي مسمى و انها لو تغيرت لأحدثت فرقا إيجابيا الى الافضل و ان بقائها كان عائقا الكثير من التقدم و الازدهار و الراحة.

وفي تصوري ان الجمود خلف التابو السياسي والديني، هو عنصر رئيسي في ما شهدته منطقتنا العربية من تمرد قاد إلى ثورات عنيفة ظهر فيها الفكر المتشدد والمنظمات الارهابية لأنها لم تجد مناخا دينيا يقبل اعمال العقل والعلم في الدين وفق منهج وسطي.

وفي المقابل فان هذه المناخ المتشدد خلف تابو الدين قاد إلى انتشار الالحاد بشكل لم يكن متصورا في ارضنا العربية المعروفة بتدينها، وذلك لأنه لم يجد محضنا فكريا يجاوب عن اسئلته الوجودية الحيرى وسط تراكمات فكرية في الشرق والغرب وفي فضاء كوني جعل العالم قرية كونية صغيرة.

والمرأة هي الأخرى خرجت من قهر العادات والتقاليد التي حبست انفاسها في المنزل وخرجت للعمل وتمردت على بطش الزوج وقسوته وسعت لتحقيق الاستقلال المادي والتحقق العلمي والعملي دون ان ينتبه الزوج ولا المجتمع الطوطمي إلى الثمن الذي يدفعه المجتمع عندما تتمرد المرأة على القهر بانهيار المؤسسة الاسرية وضياع الابناء.

فعنف التابو ولد عنفا موازيا في تحطيمه وصار محطموه اكثر شهرة وانتشارا، كما حدث في الحقل الادبي، بظهور ألف ليلة وليلة و كليلة ودمنة و مزرعة الحيوانات جورج أورويل، وابداعات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، وثروت أباظة وحامد أبوزيد ونوال السعداوي الروائي الجزائري رشيد بوجدرة والسوداني الطيب صالح، والتونسي لمحمد شكري.. وغيرهم الكثير.

بل ان السنوات العشر الماضية ظهرت موجات البوح الصريح ولغة الكتابة بالجسد وما يشببها كما افي اعمال الكاتبة احلام مستغانمي و غيرها من الكاتبات

الفضاء والتابو

عملت الفنون البصرية في الفن التشكيلي والسينما والمسلسلات الدرامية الى كسر حدة التابوهات، بل وانهيار الكثير منها عبر فضاءات الانترنت وفشل الحكومات فرض الرقابة على هذا الفضاء الكوني المفتوح.

وبقدر ما تحررت المجتمعات من تابوهات بالية في هذه، فأنها شهدت بالمقابل ولادة تابوهات طائفية وعرقية ومذهبية اشعلت منطقتنا بالصراعات والحروب الدموية دون ان نعرف لها سقف زمني يمكن ان تنتهي فيه.

فالمنطقة تموج بتابوهات الصراع بين المسلمين والمسيحيين والسنة الشيعة، وبين العروبة والخلافة الاسلامية، و العرب و جيرانهم و الاعراق المختلفة في المنطقة و نجد في وسائل التواصل الاجتماعي و مواقع الانترنت و الصحف الإلكترونية مسرحا للحروب و الاتهامات و خلق الفتن و كل كاتب يحاول ان يتناول موضوع او قضية و معادات الفكرة او الشخصية التي تتمحور حولها الفكرة او القضية و هناك كان يدافع عن رأيه و فكره الشرعي البناء بخصوص قضايا تفيد المجتمع و تقدم الإصلاح الا انه سيجد من يعاديه و يحاربه خاصة اذا كانت آرائه تعبر عن وجهات نظر مخالفة لأقرانه في المذهب السياسي او الديني بالأغلب.

هذه التابوهات أصبحت كالأشباح تلاحقنا في أفكارنا و حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية و الدينية بالآراء المتحجرة العقليات التي توقفت عن التفكير و الابتكار و اكتفت بالنسخ أو الاقتباس أو النقل أو إعادة النشر و تعودت على تناقل الثوابت عبر الزمن و التاريخ و هذه الثوابت لم يثبتها احد فهي ليست مقدسات دينية و لا ثوابت اخلاقية و إنما عادات بالية أقرها شخص ليس بأفضل منك و لا مني فهو ليس نبي و لا وصي من الله و لكننا ورثنا عنه اعتقاده الذي لا يناسبنا والظروف و المناخ و الأسباب التي جعلته يعتقد في أمر ما ليست نفس الظروف و المناخ و الأسباب التي تحيط بك.

اذن فلنحارب معا التابوهات المضرة و نؤكد على ما يفيد مجتمعاتنا من ثوابت علمية ثقافية اخلاقية تربوية تحثنا على عيش كريم و نفس سوية و حياة طيبة و مجتمع نظيف.