موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٩ مارس / آذار ٢٠١٩
عندما يصبح الإنجيل ثقافة!

الأب ألبير هشام نعّوم – بغداد :

تأثرنا كثيرًا بغرق عشرات المواطنين في عبّارة الجزيرة السياحية في مدينة الموصل بالعراق الأسبوع الماضي، خصوصًا وأننا لا زلنا متأثرين بمقتل مسلمين في نيوزلندا ومسيحيين في نيجيريا. وجعلني هذان الموقفان أربطُ بينهما وأتذكر من خلالهما نصًّا من إنجيل لوقا (13/1-5) كنتُ قد ذكرتُهُ في ختام مقالتي الماضية "قُتِل لأنّه يصلّي"، وكأنّ معناه اكتمل هذه المرّة بحادثة عبّارة الموت في الموصل ليعطينا معنىً لإيماننا.

لنقرأ النصّ كاملاً:

"حضر بعض الناس وأخبروا يسوع عن الجليليين الذين قتلهم بيلاطس في الهيكل ومزج دماءهم بدماء ذبائحهم. فأجابهم يسوع: أتظنون أن خطيئة هؤلاء الجليليين أكثر من خطيئة سائر الجليليين حتى نزلت بهم هذه المصيبة؟ أقول لكم: لا، وإن كنتم لا تتوبون، فستهلكون كلكم مثلهم. وأولئك الثمانية عشر الذين سقط البرج عليهم في سلوام وقتلهم، أتظنون أنهم أذنبوا أكثر مما أذنب أهل أورشليم؟ أقول لكم: لا، وإن كنتم لا تتوبون، فستهلكون كلكم مثلهم".

فحادثة العبّارة تشبه أولئك الثمانية عشر الذين سقط البرج عليهم في سلوام، وحادثة مقتل الأبرياء في نيوزلندا تشبه مقتل الجليليين على يد بيلاطس. ما الفرق بين الحادثتين؟ الحادثة الثانية يبرز فيها دور شرّ البشر بصورةٍ أوضح من الأولى، وإن خضعت حادثةُ عبّارة الموصل لنوعٍ من الجدل بأنها مقصودة أيضًا من جهةٍ أو أخرى. مع ذلك، لا نريدُ أن ندخل في هذا التفصيل بل أن نبيّن موقف إلهنا الحنون أمام هاتين الحادثتين المختلفتين.

ما يثير استغرابنا أن يسوع أمام هذين النوعين من الأحداث، يسأل ذات السؤال، ويتّخذ نفس الموقف، ويوجّه ذات التنبيه! أتظنون أن خطيئتهم أكبر من خطيئة البقية حتى نزلت بهم هذه المصيبة؟ وفي الحالتين يجيب: "أقول لكم: لا، وإن كنتم لا تتوبون، فستهلكون كلكم مثلهم". ماذا يقصد يسوع؟

أمام كل الآلام التي نعانيها سواء تلك التي سببتها إرادتنا ونقص محبتنا وابتعادنا عن الله (الحرب أو القتل أو الخطف... ومثل بيلاطس في القصة)، أو تلك الخارجة عن إرادتنا ولا يمكن أن نجد تفسيرًا واضحًا لها، لا بل أن كل محاولة لتفسيرها تبوء بالفشل (كالبراكين والصواعق... مثل سقوط البرج في القصة)، يقف الله موقف المحبة في كليهما ويدعو الإنسان إلى محبته.

وهذه هي قوة الإيمان المسيحي وذروته: ان نعيش آلامنا بناءً على علاقتنا بالله. وبعيدًا عن هذه العلاقة مع الله أبينا، ستدمرنا قوة الألم وتوقفنا عن الحياة. ولذلك يقول يسوع: "إن كنتم لا تتوبون..." أي إن لم تبنوا إيمانًا قويًا بالله وترجعوا إليه دومًا، "فستهلكون كلكم..." أي ستسمحون للألم بأن يهلككم.

هكذا يصبح الإنجيل "ثقافة" نجسدها في أفكارنا وتصرفاتنا وسلوكنا ومواقفنا، فننظر إلى الاحداث التي تمرّ بنا، مهما كانت مؤلمة وقاسية، في ضوء الإنجيل ونعيش من خلالها مسيحيتنا بعمق. هكذا تُعاش مسيحيّتنا اليوم!