موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٦ أغسطس / آب ٢٠١٩
عقل الذيل

رمزي الغزوي :

بعض النظريات العجيبة تفسر سبب فشل العالم الأندلسي عباس بن فرناس بمحاولته الشهيرة للطيران، أنه نسي أن يتخذ ذيلاً. فقد اهتم بالأجنحة وتشميعها وترييشها، وتثبيتها وتربيطها بقوة على جسده، ولكنه دفع حياته ثمناً لنسيانه الذيل. ياااااااه، أإلى هذا الحد مهمة هذه الذيول في دنيا الطيران والعربشة؟؟!.

في حديقة الحيوانات ستدهشك عاطفة الأمومة عند القردة، فالأم تظل قابضة بكل ما أوتيت من قوة وصبر على وليدها طيلة خمسة أشهر من ولادته، لا تتركه طرفة عين ليل نهار، حرصاً عليه، وخوفاً من أن يقترب من الأب النزق، الذي قد يوجه له ركلة عابرة للأقفاص. الطريف في الأمر، أن القردة الأم لا تمسك وليدها إلا من أقوى مكان في جسمه الضعيف، إنها تمسكه من ذيله المتين!.

وبعيداً عن التحليق بخيال التحليلات وفضاءاتها، فما زال التحديق في عتمة السماء ينبئنا، أن الشهاب ليس إلا ذيلاً ضوئياً يلمع في عباءة الليل، لكنه سرعان ما يختفي وكأنه لم يكن!. ورغم أن ابن فرناس، خسر حياته بسبب ذيل بسيط، إلا أنه بقي نجماً ساطعاً في سماء العلم والعالم. فهو عبّد الطريق أمام الحالمين بالطيران، من أبناء البشر. وما الطائرة بكل تشكيلاتها وأنواعها، إلا ثمرة تلك البذرة الحالمة، التي غرسها ورواها بدمه!.

القردة الحقيقية من الناحية التشريحية تمتلك عقلين اثنين: عقلاً يتحكم بكل تصرفاته وانفعالاته وتجاربها وتحركاتها ونزواتها، فيما العقل الثاني مخصص بكامل تلافيفه وطاقته للذيل وتحركاته ورعشاته وإيحاءاته، ولهذا لا نستغرب أن يكون ذيل القرد غاية في الأهمية والتكتيك، من أول عتبات طفولته، التي يبقى فيها أسيراً لقبضة الأم، وحتى آخر شجرة متشابكة، يتسلقها بمساعدة ذيله المتين.

بعض القرود البشرية، التي تتعربش الرؤوس والمصالح. هذه المخلوقات لا تجيد إلا مسح الجوخ والرعش بذيل النفاق والدهلزة، بكل ما أوتيت من التواءات وتناغمات وتوسلات، وهي في حقيقتها (التشليحية)، لا تملك إلا عقلاً واحداً فقط هو عقل الذيل (مش أكثر)!!.

ابن فرناس سها عن ذيله المريش، فسقط على أم رأسه، لكن إبداعه رفعه نجماً أبدياً في دنيا الطيران والتحليق، أما هؤلاء المتسلقون المتعربشون فسيسقطون على عقل ذيولهم، دون أن يتركوا أثراً يخدش صفحة الليل بضوء سريع، أو بوميض كأثر شهاب عابر. أنهم لا يشكلون ذاكرة لأحد. ألا تباً للقردة البشرية، من ذوات العقل الواحد!.

(الدستور الأردنية)