موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٦ مارس / آذار ٢٠١٤
عام على اعتلاء البابا فرنسيس كرسي القديس بطرس (1)

الأب منويل بدر - ألمانيا :

كانت ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، التي تتسع لحوالي نصف مليون شخص، غاصّة بآلاف الحجاج والزّوار من جميع أنحاء العالم الذين تجمعوا منذ الصباح الباكر تحت المطر المتقطّع والهواء البارد يترقبون ظهور الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة السكستين - كنيسة البابا الخاصّة داخل أسوار الفاتيكان المزينة برسومات الفنان الإيطالي الفريد مايكل أنجيلو التي تجري فيها اقتراعات الكرادلة الذين يحقّ لهم التصويت في اختيار البابا. كان عددهم هذه المرّة 115 كاردينالاً.

كانت كل الأضواء الخارجيّة في السّاحة مُطفأة عند هبوط الظّلام لتمييز الدّخان الأبيض من الأسود بعد كلِّ تصويت. همّ الكثيرون ترك السّاحة، إذ اعتقدوا إنّه من غير المحتمل أن يتمّ انتخاب البابا الجديد يوم الثاث عشر من آذار 2013. لكن يا للعجب، فإذ بالدخان يبدأ بالصّعود من المدخنة. في هذه اللحظة حبس جميع الحضور أنفاسهم وعلتْ أبصارهم إلى المدخنة، وإذا بالدخان الأبيض كالغيمة العابرة تحت بريق الشمس اللامع.

وفجأة علت صرخة الفرح من آلاف الأفواه مرّة واحدة، وراحت الجماهير تتدافع وتتجمّع أمام بوابة بازيليك القديس بطرس، التي كانت طيلة النهار مفتوحة للزوار إلا أنها أغلقت منذ السادسة مساءً. راح الكلّ يترقّب سدل الستار من نافذة القصر البابوي في الطابق الخامس، ليظهر أكبر الكرادلة سناً ويُعلن عن اسم البابا الجديد، خلفاً للبابا الطيّب الذّكر بندكتس السادس عشر، الذي بحرية إرادته، كما يسمح له القانون، تجرّأ وقدّم استقالته بعد 713 سنة على آخر استقالة حدثت في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الحديث.

كان ذلك يوم الأربعاء المُوافق الثالث عشر من آذار 2013، بضع دقائق قبل الثامنة مساءً فقط. انتشر الخبر بأسرع من البرق في كلّ أنحاء العالم. وللتّو، كما في روما وإيطاليا، تجمّع الملايين من البشر أمام أجهزة التلفاز والإذاعات، حابسي الأنفاس لسماع اسم البابا الجديد، والذي تمّ الإتفاق عليه بعد جولة التصويت الرّابعة.

كان أكثر الصحفيين والمصوّرين الذين يعدون بالالاف يمضون وقتهم بمقابلة المارّين لأخذ آرائهم بالبابا المستقيل وتوقّعاتهم في البابا الجديد. وما أن انتشر الخبر حتّى توجّهت كلّ عدساتهم بلحظات إلى منصّة الشبّاك من فوق رؤوسهم ينتظرون أوّل كلمة للكاردينال الذي سيُفضي للعالم باسم البابا الجديد فيبدأون بالإرسال الحي المُباشر إلى بلادهم.

أخيرا أزيحت الستارة الحمراء من أمام الشّباك المُطِلّ على السّاحة التي كانت تغصّ بالبشر. وتقدّم الكاردينال الأكبر سناً من بين الـ115 المجتمعين، مُلوّحاً بيده مُبتسماً، وكأن العالم كلَّه فقد النّطق في تلك اللحظة ووضع الكثيرون منهم أيديهم خلف آذانهم ليسمعوا ما سيقول.

- "أبشِّركم بفرحٍ كبير! لدينا الآن بابا! هو خورخي ماريو برغوليو، من الأرجنتين. عمره 76 سنة. ينتمي إلى الرّهبنة اليسوعيّة. هذا وقد اتّخذ لنفسه اسم البابا فرنسيس الأول".

نعم منذ اللحظة الأولى من انتخابه، فكّر هذا البابا فيما سيكون برنامج حياته على رأس الكنيسة. القديس فرنسيس، الذي كان يفكّر بتأسيس رهبنة خاصة لخدمة الكنيسة، قد رأى رؤيا في الحلم، أخبرها للبابا في ذلك الزّمان، وهي أنّه رأى الكنيسة تهتزّ وتميل وتكاد تقع، فلقاها فرنسيس بيديه وللعجب رجعت الكنيسة إلى حالتها الطبيعيّة. فهذا سيكون برنامج البابا الجديد، منذ الإعلان عن اسمه واختياره اسم فرنسيس. نعم هو يريد دعم الكنيسة، لتبقى ثابتة رغم زعزعتِها من العواصف حواليها.

وأطلّ البابا الجديد من شرفة الشبّاك المعروفة، مبتسماً ومُحيياً الجماهير. وبعد التّصفيق الحارّ لاستقبال الجماهير له. فاه بأوّل كلمة، باللغة الإيطاليّة بلهجة إسبانيّة، (لأنّ والداه من أصلٍ إيطالي نزحوا بعد الحرب الثانية إلى بوينس آيرس) قال - الله يمسّيكم بالخير!، وصمت كأن هذا كان كلِّ ما قدِر أن يتلفّظ به في تلك الّلحظة. وبعد تصفيق الجماهير من جديد له تابع كلامه: أنا آتي من بقعة بعيدة من هنا، من أقصى جنوب الكرة الأرضيّة. سامح الله إخواني الكرادلة الذين اختاروني!. في هذه اللحظة انهمرت الكاميرات بالتقاط الصّور له وانشغلت الإتصالات بجميع إمكانياتها، فإذا بشباك وخطوط الإتصال في روما تنسدُّ بلحظات كأنّ شبكات الإتصال أصابها انقطاع كهربائي وهي تعمل. لقد كان هذا الخبر فريداً ومُهماً ويستحق موجة الإعلام هذه.