موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الثلاثاء، ٣١ يوليو / تموز ٢٠١٨
عائلات تتجرد من الحنان.. وترفض وجود أبناء من ذوي الإعاقة

ربى الرياحي - الغد :

يبدو أن هنالك قلوبا لآباء وأمهات رحل الحنان منها، أصبحت خالية من مشاعر الحب وغير قادرة على احتواء فلذات أكبادها، بل قررت أن تتنكر لوجودهم لمجرد أنهم من ذوي الإعاقة.

رفضهم المطلق لتلك الحقيقة يجعلهم أكثر تمسكا بمخاوفهم المتباينة بين عبء تحمل مسؤولية تربيتهم الخاصة، وبين شعورهم بالعجز تجاه هذه الحقيقة المرة التي تمنعهم من تقبلهم واحتضانهم وحمايتهم من واقع صعب يختبرونه.

تقول أم وسام "أحيانا تخضعنا الحياة رغما عنا لامتحانات قاسية لم نكن نتوقعها أو حتى مهيئين لها تفرض علينا حقائق.. نحاول جاهدين إنكارها واعتبارها كابوس مخيف لا بد لنا أن نستيقظ منه ونتجاوزه".

وتتابع أنها من الأشخاص الذين اختيروا ليحملوا على كاهلهم أعباء إضافية ناتجة عن وجود ثلاثة أبناء كلهم من ذوي الإعاقة، مبينة أن صعوبات كثيرة تواجهها بسبب عدم قدرتها على التواصل معهم لكونهم يعانون من إعاقة عقلية وحركية.

لكنها بالرغم من ذلك ترفض أن تتخلى عنهم كما فعل والدهم الذي انصاع لأوامر أسرته ورضي بأن يتنصل من مسؤوليته تجاههم ملقتا اللوم عليها وحدها.

تقول "قسوته وإحساسه بأن الحياة قد ظلمته وخوفه من نظرات الآخرين كلها أسباب دفعت به إلى تطليقها والابتعاد تماما عنهم بدون أن يفكر ولو قليلا بمدى حاجتهم له سواء من الناحية النفسية أو حتى المادية".

وتضيف "صحيح قد تضاعف هموم الحياة ومشكلاتها بعض الشيء، إلا أننا نظل محكومين بالأمل"، فحاولت أن تقاوم كل الظروف الصعبة بصبر وإيمان كبيرين. موضحة "أن تقبل المجتمع لهؤلاء الأبناء يأتي أولا من تقبلنا لهم" ومنحهم جرعات كافية من الحب ليستطيعوا فرض أنفسهم والمطالبة بحقوقهم كاملة.

أما مها (14 عاما) فتقول "أصعب شعور هو أن تعيش وسط أسرة لا تبادلك سوى الكره والرفض والتذمر الدائم من وضعك، وكأنك أنت من اخترت قدرك. قهر وعزلة وحرمان هذا باختصار شكل حياتها التي تفتقد تماما للدفء وللغة المشاعر والسبب فقط أنها ولدت كفيفة".

وتتابع "جميعهم بدون استثناء يضايقهم وجودها يتنكرون له لدرجة أنهم لا يترددون أبدا في إقصائها عن مواضيعهم متعمدين تهميشها، وإشعارها بأنها أقل منهم".

وتبين أن الظلم الواقع عليها من قبل أسرتها لم يتوقف عند حدود الشتائم والكلمات المسيئة الجارحة بل تخطاها ليشمل الضرب في أغلب الأحيان، وتهديدها بحرمانها من الدراسة، الأمر الذي يجعلها خائفة طوال الوقت تبحث عن حضن دافئ يطبب أوجاعها ويساندها يربت على قلبها المتألم برفق.

وتقول "أكثر ما يؤلمها هو الإحساس بأنها وحيدة تجتاح الغربة روحها الغضة وتبقيها سجينة تشوهات فكرية ونفسية تدين الإعاقة، وتنقم على أصحابها الذين يحتاجون فقط لأن يكونوا متواجدين في قلب الحياة والاعتراف بإمكاناتهم بدون مبالغة".

ويرى الاختصاصي النفسي، الدكتور موسى مطارنة، أن رفض الأسر لوجود ابن من ذوي الإعاقة يرجع سببه إلى الثقافة غير الواعية والتي تعتبر الإعاقة مصدرا للعار وأيضا قد تؤثر بشكل سلبي على مكانتها الاجتماعية. ويضيف "قسوة هذه الأسر وافتقادها للغة المشاعر وللحس الإنساني يجعلها تقدم بدون تردد على إيذاء أبنائها الذين سلبتهم الحياة أبسط حقوقهم، وهو أن يتعاملوا بإنصاف وأن ينظر إلى مكامن القوة لديهم ويتم في المقابل تطويرها ودعمهم ليغدو أشخاصا ناجحين مبدعين يعيشون الحياة كغيرهم".

ويؤكد أن هؤلاء الأبناء يحتاجون فقط من أسرهم الشعور بالتقبل والأمان ومنحهم الثقة ليستطيعوا أن يتميزوا في شتى مناحي الحياة ويكون لهم حضور فعال يثبتون من خلاله أنهم يستحقون الاحترام والتقدير، وذلك لأنهم عرفوا جيدا كيف يبرزون إمكاناتهم.

ويرى استشاري علم الاجتماع الأسري، د.مفيد سرحان، أن الأبناء زينة الحياة الدنيا، وقد يحدث أن يصابوا بمرض أو إعاقة مؤقتة أو دائمة هذا في الأغلب خارج عن إرادة الأبوين اللذين يبذلان جهودا كبيرة للتغلب على المرض أو الإعاقة من وقتهم وإمكاناتهم المادية في العلاج، وهذه هي فطرة الأبوين اللذين يقدمان مصلحة الأبناء على مصلحتهم الشخصية.

ويمكن أن يصاب أحد الأبناء بإعاقة دائمة سواء كانت متعلقة بالحركة أو النطق أو التفكير أو غيرها، وللأسف فإن كثيرا من الآباء يتحرجون من وضع أبنائهم في هذه الحالة، بل إن المجتمع في كثير من الأحيان ينظر نظرة سلبية تؤدي ببعض الآباء إلى إخفاء أبنائهم من ذوي الإعاقة، بمعنى أنهم يشعرون بالحرج منهم، وهذا الأمر غير مقبول بكل المقاييس الأخلاقي والإنسانية.

ولعل من الأمور التي تسهم في تغيير النظرة السلبية لهذه الفئة أمورا عدة منها: شعور الآباء والأمهات بأن هؤلاء الأبناء هم كإخوانهم الآخرين ولهم نفس الحقوق. ثانيا: إبراز النماذج الإيجابية والمتميزة من هذه الفئة وهي كثيرة سواء من حيث تحدي الصعوبات والعوائق أو من حيث التفوق الدراسي أو التميز بالعمل أو امتلاك مواهب متعددة، ذلك يسهم بتغيير نظرة الأهل وتشجيعهم على الافتخار بهؤلاء الأبناء. أيضا أن تسهم المؤسسات الرسمية والأهلية في إبراز هذه النماذج وإعطائها حقوقها ومساواتها بالآخرين بدون تمييز قدر الإمكان.