موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٣ مايو / أيار ٢٠١٩
صناعات سياسية جديدة

د. باسم الطويسي :

ظاهرة التسويق السياسي مهمة ومطلوبة، ولكن ليس بالطريقة التي تمارس على مجتمعاتنا، لا يمكن ان تنجح هذه الصناعة الاجتماعية – السياسية بدون تأصيل ثقافي محلي يراعي شروط التطور الاقتصادي والاجتماعي ومحددات الهوية الثقافية، ولا يمكن ان يشتري الناس الافكار السياسية أو الترويج لمبادرات إصلاحية بذات الذهنية القائمة على العرض الكبير الذي يخلق الطلب كما هو الحال في سوق السلع والمنتجات الاستهلاكية.

ظهر التسويق السياسي كنشاط سياسي يعبر عنه بآليات السوق خلال العقدين الماضيين، ويبدو أن نمو هذا النشاط قد جاء على خلفية فقدان الثقة في الأحزاب السياسية وفي السياسيين، وازدياد الفجوة بين الجمهور والمؤسسات ما زاد من الاتجاهات السلبية نحو الممارسات الديمقراطية في المجتمعات الغربية، ورافق هذا النمط من الصناعة السياسية الجديدة موجة من النقد على اعتبار انه يفرغ السياسة من مضامينها الحقيقية ويحولها إلى مجرد منتج أو سلعة قابلة للترويج.

سادت خلال السنوات القليلة الماضية في المجتمعات المتحولة والأردن واحد منها أنماط متعددة من التسويق السياسي المملوء بالمفارقات والتزييف أحيانا، بل ومحاولة شراء وعي الناس بدلا من لفت انتباههم نحو رؤية سياسية جديدة أو تطوير قدراتهم نحو مشاركة سياسية أو تنموية حقيقية، ولا ينسحب هذا التعميم على كافة حملات التسويق السياسي ؛ حتى أصبح هذا النمط من النشاط السياسي التجاري القائم على الترويج وشراء الخدمات الاستشارية أحد أسباب تفسير فشل العمليات الإصلاحية على المستويات السياسية والتنموية، حينما أخذ يعمق الفجوة بين المؤسسات والمجتمعات ويزيد من عمق جرح عدم الثقة المزمن، وبالتحديد حينما يبدو وكأنه نشاط استشراقي لا يقوى على التأصيل ولا ينبع من الهوية المحلية وشروطها الثقافية والاجتماعية.

تنتشر حملات التسويق السياسي بشكل منظم وغير منظم في المنطقة العربية وأخذ بعضها مؤخرا التخلص من ارتباطها بفكرة الإصلاح من أصلها، بل يبدو التسويق السياسي الذي أخذ يغزو الشرق الأوسط في هذه الأيام بشكل واسع أحد أشكال العولمة السياسية العائدة من جديد والاندماج في سوق عالمي مواز، في بعض البلدان أخذ التسويق السياسي الحيز الأكبر في منهج إدارة الدولة، ويمكن رصد أربعة أنماط تسود في هذا الوقت وتبني الخبرة التسويقية في هذا المجال، النمط الأول التسويق السياسي الكلي أو الشامل والذي يستهدف كيانات بأكملها، وإذا كان هذا النمط قد انتقل إلينا من الولايات المتحدة الموطن الأصلي له من نمط ( الحزب ذو التوجه التسويقي ) إلى نمط ( الدولة ذات التوجه التسويقي )، فإننا أخذنا نشهد كيانات سياسية في منطقة الشرق الأوسط تبني مكانتها السياسية ودورها على استخدام استراتيجيات التسويق السياسي.

النمط الثاني؛ هو تسويق المؤسسات السياسية ؛ على الرغم أن هذا النمط يشكل احد الميادين الأساسية في التسويق السياسي في الغرب إلا انه ما زال لدينا أضعف أنماط التسويق حيث لم تلج الأحزاب ولا مؤسسات التمثيل الديمقراطي هذا الميدان، والنمط الثالث هو تسويق السياسات الذي ارتبط بشكل واضح بالمبادرات الخارجية وبمشاريع الإصلاح الدولية وبالأجندة الدولية بشكل عام، أما النمط الأخير فهو تسويق الرموز السياسية ولقد استفاد من هذه التقنيات الرموز السياسية المحسوبة على التيارات التقليدية والدينية أكثر من الرموز التحديثية، حيث استفادت من المزاوجة بين التقنيات الجديدة وشروط البنية المحلية.

في المحصلة نجد أن خبرة التسويق السياسي المعتمدة على تقنيات الاتصال المعاصرة أصبحت صناعة كبرى في الغرب وبلغ دخلها في نهاية العام 1996 ستة مليارات دولار في الولايات المتحدة، شكلت أحد مظاهر فشل الاصلاحات في المنطقة العربية، ولم تخدم التحول الديمقراطي وتنمية المجتمعات المدنية بقدر ما زادت من عبثية السياسة وعدم جدواها في نظر الجمهور، وحولت المجتمعات المدنية إلى مجرد مؤسسات انتهازية بدون رسالة مجتمعية حقيقية وهمها الجري وراء المال السياسي ولو بتزييف الواقع أو اختراعه أحيانا اخرى.

(الغد الأردنية)