موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٧ سبتمبر / أيلول ٢٠١٨
شاب مصري يسرد خبرته الشخصية مع أبناء القديس فرنسيس

بودابست - مايكل عادل أمين :

نعرف الرهبان الفرنسيسكان من ملابسهم التي تدل على هُوِيّتِهم، وكثيرون يعرفون بعض المعلومات عن هؤلاء الرهبان، ولكن ما لمسته يفوق المعلومات والشكل الخارجي. إن مقالي هذا نابع من خبرة عميقة عملية مع أبناء القديس فرنسيس أثناء دراستي اللاهوتية مع بعضهم، خلال الدراسة تقربت إلى أفكارهم، وعبر الحديث والمناقشة مع بعضهم تعرفت على شخصياتهم، وخلال سفري هنا وهناك شاهدت أعمال الآباء الفرنسيسكان في العديد من البلدان.

ليست ملابس هؤلاء الرهبان هي ما تجذب نظري إنما حياتهم المبنية على تعاليم القديس فرنسيس، وفي رأي الشخصي، قام القديس فرنسيس بموقف تاريخي عظيم داخل الكنيسة وأعطى مِثالاً للإنسانية، فأصبح مثالاً للإصلاح الداخلي والعمل الصامت. وهكذا فإنني أعاين أبناء القديس فرنسيس وهم يعملون في صمت، وَيُحاولُونَ القيام بالاصلاح الداخلي سواء على المستوى الروحي أو المستوى الإجتماعي في أي محيط يتواجدون فيه.

لربما يكمن سر تقدمهم في إستمراريتهم في تحقيق أهدافهم كجماعة بقلب رجل واحد. إنهم يخدمون في أماكن كثيرة وعلى عاتقهم مسؤولِيّاتٌ عَدِيدَةٌ وما أكثر المشاريع والخدمات التي يقدمونها للجميع باسم الكنيسة الكاثوليكية. وعندما نذهب إلى أي مكان يتواجد فيه الرهبان الفرنسيسكان نشعر مباشرة بروح العمل الجماعي لتحقيق أهداف مختلفة بقلب واحد.

كلنا نعرف صعوبة الحياة الجماعية، وبالرغم من هذه الصعوبات إلا أن الآباء الفرنسيسكان تعلموا أن يساندوا الضعيف ويقفوا بجوار الموهوب حتى يتميز في موهبته، ويضع المسؤلون كل الإمكانيات المتاحة أمام من يرغب في التمييز والنجاح.

على مستوى الشرق الأوسط نجد رُهْبانًا برعوا في خدمتهم فأصبحوا مثالا يُحْتَذَى به في مجال عملهم، هناك من كرسوا حياته لتحقيق المخطوطات، وتدريس الليتورجيا، وإتاحة الفرصة أمام طلاب الدراسات الشرقية واللغات القديمة من خلال إنشاء مراكز صغيرة الحجم عالمية المستوى.

كما برعوا في المجال الفني والإعلامي فساهموا في إعلاء الأخلاق الإنسانية في الأعمال الفنية من خلال تقديم جوائز لأصحاب الأعمال الفنية القيمة. أما على المستوى التعليمي والتربوي فلا يخفى على الجميع الدور الذي يقوم به الآباء الرهبان والراهبات في إدارة العديد من المدراس في أرجاء المسكونة. ويظهر إهتمامهم بالشباب من خلال تنظيم مسيرات شبابية رائعة. وعلى المستوى العالمي نرى العديد من الآباء الرهبان رؤساء جامعات ومعاهد تعليمية لها دور كبير في الكنيسة الكاثوليكية.

ليس فقط الرهبان من برعوا في أعمالهم، إنما راهبات القديسة كلارا المُنْتَمِيات لروحانية القديس فرنسيس، فَأَقَمْنَ مراكز صحية ومستشفيات وَفَتَحْنَ قَلُوبَهُنّ المليئة بالرحمة أمام المرضى من كل جنس وكل دين، وَهَمَمْنَ في مساعدتهم على الشفاء الجسدي والنفسي، من خلال تقديم خدامات صحية تليق بالإنسان كإنسان.

لن يكفي مقالي إذا ذكرت كم من الأمثلة المشرفة خرجت من الرهبنة الفرنسيسكانية، ولن أستطيع سرد جميع الإنجازات التي قام بها الآباء الفرنسسيسكان خلال التاريخ، ولن أسرد أسماء لكي لا أجرح تواضع أحدهم، ولكن ذكرت بعض الأمثلة لكي أشيد بما يَقُومُ به الآباء الفرنسيسكان في كل مكان داخل الكنيسة الكاثوليكية بكل صمت وَبِما يُقدّمُونَه من أمثلةٍ إيجابيّة على كيفية العمل الجماعي.

لن أستطيع وصف مشاعري تجاه الرهبان الفرنسيسكان، لأني بالفعل أفخر بهم وأفتخر بما يقومون به، وأشعر أني محظوظ برويتهم كيف ينمونَ ويدرسونَ ويعيشونَ ويعملون، ليصيروا أعْضَاءَ في رهبانية القديس فرنسيس. فخلال خبرتي العميقة مع أبناء القديس فرنسيس، لَمَسْتُ محبتهم وكرم أخلاقهم وتعاونهم الغير عادي، وحياتهم الجماعية المليئة بالتعاليم المفيدة لكل إنسان.

أنا لست راهبًا فرنسيسكانيّاً ولكن قلبي أسَرته التعاليم الفرنسيسكانية ذات القِيَم الجميلة والتعاليم البسيطة وحياة أبنائها الجماعية، وأستمراريتهم في العمل بالرغم من كل التحديدات، فأعمالهم ومشاريعهم تواجِهُ تحدّيّات ليس فقط على الصعيد الخارجي من المجتمع ولكن أحيانا على الصعيد الداخلي من داخل الكنيسة ومن قبل بعض المسؤولين، فيقبلهم البعض ويرفضهم آخرون، وهنا يكمن سر نجاحهم بالرغم من التّحدّيّات وأمام الصعوبات التي لا تحصى إلا أنهم يحاولون خدمة الكنيسة من الداخل والعمل في صمت فرنسيسكاني. وككل مؤسسة وجماعة توجد سلبيات وضعفات إلا أن ما جَذَبَني خلال خبرتي العميقة معهم يَكْمُنُ في قيم إيجابية وحياة روحية فريدة، وإبتسامة مشرقة، وإنفتاح أخوي روحي يحث الإنسان على التأمل في حياتهم وأعمالهم، ومن ثم الانجذاب لتعاليم القديس فرنسيس الذي أحب المسيح فترك من أجله كل شيء.

فطوباك يا قديس فرنسيس لأنك أستطعت العمل في صمت بالرغم من غوغاء هذا العالم،

طوباك يا فرنسيس لأنك علمتنا أن نصلح ولا نهدم، نعمل في صمت ولا نتباهي بأعمالنا.

طوباكِ يا كنيسة عَرُوسَ المسيح بالقديس فرنسيس الذي أنجب أبناء رُوحِيّين يساهمون في نشر تعاليم عريسكِ.

طوباكم يا ابناء يسوع الأَصَاغِر لأنكم أَصْبَحْتُم مثلا للعمل الصامت والبناء المستمر.

طوباكم يا من تحظون بتواجد أحد أبناء يسوع يسوع الأَصَاغِر بقربكم ووسطكم.