موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٦ ابريل / نيسان ٢٠١٤
سعد الحديدي يكتب "الزيارة الرابعة لقداسة البابا إلى الأردن"

سعد الحديدي :

تأتي زيارة قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس الاول تتويجا لجهود جلالة الملك وجهود الاردن بترسيخ مبادئ الوسطية والاعتدال والتسامح في المنطقة، فلا يخفى على أحد في ظل هذه الموجة من الاضطراب والانفعال الذي أصاب بعض دول الجوار ما يعيشه الاردن من امن واستقرار وهو فضل من الله وفضل من الحكمة التي تدير هذه الدولة.

ولعل الاردن بموقعه المتوسط بين القارات الخمس وجواره لاهم المساجد والكنائس والمعابد وما وقعت فيه من الاحداث الدينية والتاريخية على مر العصور جعله في قلب الحضارة البشرية وجعل اسمه في اعمق وجدان الانسانية.

وتشكل زيارة بابا الفاتيكان للأردن خطوة مهمة على طريق ترسيخ أواصر الإخاء والتسامح بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيزا لرسالة السلام والامان.

وقد حظي الاردن بثلاث زيارات للحبر الاعظم، وتصادف زيارة البابا فرنسيس الاول في هذا العام الذكرى الخمسين للزيارة الاولى التي قام بها قداسة البابا بولس السادس في العام 1964 والتي كانت أول زيارة لبابا الفاتيكان خارج ايطاليا منذ الف عام، حيث كانت الزيارة مهيبة وحافلة كأشد ما تكون الهيبة، وخرجت عمان عن بكرة ابيها لاستقبال الضيف الكبير وكان على رأسهم المغفور له الملك الحسين بن طلال، حيث حج البابا الى القدس والناصرة وبيت لحم واستقبل من سكان الضفة الغربية كما استقبله اهل عمان حيث ظل يحظى بالحفاوة والاحترام الى ان انهى مراسم حجه في تلك الايام الثلاثة التي امضاها في الاراضي المقدسة.

ثم كانت الزيارة الثانية لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني في العام 2000، وكما استقبل اهل الاردن البابا بولس السادس استقبلوا الحبر الاعظم يوحنا بولس الثاني بالحفاوة والاكرام وكان ذلك في ذكرى اليوبيل لمرور الفي سنة على مولد سيدنا المسيح عليه السلام، وكان في استقباله عميد الهاشميين جلالة الملك عبد الله حيث اشاد البابا في كلمة الاستقبال بجهود جلالته الرامية الى السلام والمتصلة دوما بحفظ الامن والاستقرار في المنطقة ثم بدأ حجه في تلك الزيارة من جبل نيبو حيث وقف متطلعا الى القدس والى اريحا داعيا الله ان يعم السلام بهذه الديار المقدسة.

وفي اليوم التالي كانت عظته الشهيرة للمؤمنين في ستاد عمان الدولي ثم كانت محطته الاخيرة في موقع المغطس حيث تشرفت بان كنت من بين المستقبلين له في ذلك المكان والفريق الذي عمل على اكتشاف الموقع قبل ان يلقي عظته بجماهير الحجاج والضيوف والوفود الذين ملأوا المكان باعداد يصعب احصاؤها.

وأما الزيارة الثالثة لبابا الفاتيكان الى الاردن فكانت لقداسة البابا بندكتس السادس عشر في العام 2009 ولمدة اربعة ايام بدأها بزيارة جبل نيبو ومادبا ثم قداس ستاد عمان الدولي ثم زار المغطس.

وتأتي الزيارة الرابعة لقداسة البابا فرنسيس الاول الى الاردن الذي يضم خمسة مواقع معتمدة للحج المسيحي اهمها جبل نيبو والمغطس تأتي هذه الزيارة بدعوة من جلالة الملك عبد الله الثاني للحبر الاعظم قائد الكنيسة الكاثوليكية التي يتبع لها اكثر مسيحيي العالم.

وتحظى الاماكن المسيحية المقدسة رعاية واهتمام كبيرين من العائلة الهاشمية وعلى رأسها جلالة الملك عبد الله الثاني الذي اولى عنايته بالاماكن المقدسة جميعها من خلال الاعمار الهاشمي لمقامات الانبياء والصحابة، ومن خلال انشاء الهيئات التي تعنى بالاماكن المقدسة كهيئة المغطس التي يرعاها الامير غازي بن طلال والتي تشرف على سلامة وتطوير هذا الموقع الديني بكل احترافية واقتدار.

كما ان العلاقات الطيبة والاستقرار الذي ارسى قواعده المغفور له الملك الحسين بن طلال ووطد دعائمه جلالة الملك عبد الله الثاني الذي بذل جهودا استثنائية كبيرة لتحسين صورة الاردن المستقر الامن حيث ظهر ذلك جليا في الرغبة العارمة لرعايا الدول من كافة ارجاء العالم بزيارة الاردن، وشجعت سياسة الاردن المتوازنة العالم المسيحي بكافة طوائفة على بناء كنائسهم في موقع المغطس حيث زاد عدد الكنائس عن ثلاث عشرة كنيسة تمثل اهم الطوائف المسيحية في العالم.

والاردن الذي اطلق رسالة عمان قبل عشر سنوات والتي اسست للوسطية في الاسلام واطلقت لغة جديدة لحوار الاديان منبعها الحب والتسامح والوئام واحترام الاخر لهي الجديرة باستقبال الحبر الاعظم رئيس الفاتيكان وغيره من رؤساء الدول والتي من شأنها انها تترجم هذا الحوار الموصل الى السلام والتآخي والمحبة.

ولقد كان لاكتشاف موقع المغطس قصة يملؤها حلم لبضعة شبان من دائرة الاثار العامة كان لي الشرف بأن اكون من بينهم، حيث بدأت الفكرة بالتنقيب في موقع المغطس اول الامر عندما جاءنا احد المواطنين من سكان الغور يحمل بيده كسرا فخارية قال انها من احد المواقع على النهر فبدأ الحلم، وتوجه فريق العمل الى ذلك المكان فضربنا اول ضربة معول في التل القائم على ضفة وادي الخرار بجانب النهر المقدس نهر الاردن حيث بيت عنيا المذكورة بالانجيل حيث كان سيدنا يحيى يعمد فيها المؤمنين عبر الاردن، فصار الحلم حقيقة.

وعلى مدار بضعة اعوام استمر التنقيب الاثري، وتوالت الاكتشافات للمواقع الدينية التي تشكل النسيج المعماري لموقع المغطس، حيث تم العثور على كنيسة النبي يحيى على ضفة النهر ببلاطها الرخامي الملون، وتم اكتشاف الكنائس والمصليات بأرضياتها الفسيفسائية الملونة على ضفة وادي الخرار، وتم اكتشاف البرك المائية الكبيرة والآبار التي جرت اليها المياه بواسطة القنوات الفخارية حيث كان المؤمنون الاوائل يتعمدون ويغتسلون من ذنوبهم ويتطهرون.

* مستشار في وزارة السياحة والآثار سابقاً