موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الثلاثاء، ٨ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٥
ست سنوات على وثيقة "وقفة حق"

الأب جمال خضر دعيبس :

قبل ست سنوات اطلقنا كمسيحيين فلسطينيين وثيقة "وقفة حق"، والتي تعرف باسم "كايروس فلسطين"، لتصبح هذه الوثيقة معبرة عن وناطقة باسم المسيحيين الفلسطينيين. وقد شكل اطلاق هذه الوثيقة نقطة بارزة في نظرة المسيحيين وموقفهم من القضية الفلسطينية، قضيتهم الاولى.

بدأ انتشار الوثيقة بسرعة ملفتة وغير متوقعة. ومعها بدأ العمل على عدة مستويات: فتم نشر الوثيقة في اوساط المسيحيين الفلسطينيين بمختلف فئاتهم ومختلف اماكن تواجدهم. ومعها تم جمع آلاف التواقيع على هذه الوثيقة. كما تم عرض الوثيقة بين مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني الذي تقبلها بترحاب ومساندة. تمت ترجمة الوثيقة الى اكثر من 22 لغة، وتم توزيعها على مئات الكنائس في العالم. وقد وصلت ردود عديدة مؤيدة ومساندة لما ورد في الوثيقة. كما ان الوثيقة شكلت اطارا لحوارات عديدة مع الكنائس المختلفة في انحاء العالم، وشكلت تذكرة دخول للحوارات المسيحية اليهودية وتشكل جزءا اصيلا من هذا الحوار، لكي لا يكون هذا الحوار غربيا بامتياز، بل يشكل اللاهوت الفلسطيني محطة لا يمكن تجاوزها في هذا الحوار.

على مدى السنوات الست الماضية، تم التعمق بما ورد في نص الوثيقة في العشرات من المؤتمرات في فلسطين وحول العالم، وكتبت ابحاث وكتب عديدة من وحي "وقفة حق"، وكتبت رسائل دكتوراه في اللاهوت حول الوثيقة. وقد انتشرت الوثيقة بقوة الرسالة التي تحملها، فقد تفاجئنا في العديد من المرات عندما نكتشف او الوثيقة تطبع وتوزع ويتم نقاشها ودراستها وتدريسها في اماكن في العالم دون علم القائمين عليها. وقد ادخلتها العديد من المعاهد الدينية ضمن مناهجها. وقد الهمت الوثيقة العديد من المسيحيين حول العالم لتأسيس جماعات كايروس في العديد من الدول اما لتطبيق مبادئ الوثيقة على اوضاعهم المحلية او لدعم ومساندة كايروس فلسطين، وهكذا تأسست حركة "كايروس العالمية من اجل العدالة" لنلتقي جميعا حول المبادئ المسيحية التي تنادي بالعدل في مختلف الدول ودفاعا عن كل مظلوم.

اردنا هذه الوثيقة ان تكون وقفة حق من اجل العدالة والسلام. لذلك جاءت صادقة ومستفزة في نفس الوقت.

لم نختر خطابا سياسيا عابرا، ففي السنوات الست الماضية تغيرت امور كثيرة وانقلب الشرق الاوسط الذي كنا نعرفه، وازدادت القضية الفلسطينية تعقيدا وتهمشا. لكن ما ورد في الوثيقة أثبت انه اكثر صحة وصدقا الان عما كان عليه الامر عندما كتبت. نحن لم نختر خطابا فئويا، فمن يقرأ الوثيقة يشعر انها تعبر عنه، فهي وثيقة فلسطينية بامتياز. لم تختر مواقفا تثير العداء او تحض على الكراهية، فوصية المحبة التي تحثنا على محاربة كل شر وكل خطيئة، بمنطق المحبة، هي الاساس الذي نبني عليه رؤيتنا.

ولا تزال وثيقة "وقفة حق" تستفزنا وتستفز الكثيرين. تستفزنا لتوجهنا نحو منطق العمل وعدم الاكتفاء بالبكاء وعيش دور الضحية. تستفزنا لتقول لنا ان كلمة الله لا تزال تخاطبنا وتنير لنا الطريق. تستفزنا عندما تذكرنا اننا لسنا اقلية مسيحية في هذه البلاد، ففرح ورجاء واحزان ابناء شعبنا هي فرحنا ورجاؤنا واحزاننا. وغني عن القول ان "وقفة حق" كانت ولا تزال تستفز العديد من المسيحيين حول العالم لاتخاذ موقف واضح من حقوق الفلسطينيين، وخاصة اؤلئك الذين يظنون ان مسيحيتهم تبرر تشريد الفلسطينيين وظلمهم.

عندما نقرأ وثيقة "وقفة حق" اليوم، ندرك ان رؤية الوثيقة للعديد من الامور اثبتت جدواها وعمقها اليوم اكثر منه يوم كتبت. فعندما نقرأ انه "لا يجوز تحويل كلمة الله الى احرف جامدة تشوه حب الله وعنايته في حياة الشعوب والأفراد" (2. 2. 2. )، ونتأمل بما يحصل حولنا من استعمال للدين يبرر القتل والتشريد والظلم والتمييز بين البشر، ندرك ان معركتنا ضد تشويه الدين لتبرير اعمال بربرية لا تزال قائمة. لا بل ان رؤية "وقفة حق" تمتد لتشمل الكثير من الغيورين على صورة الله، الاله الرحيم، خالق البشر ومدبرهم.

ان الاحتفال بمرور ست سنوات على اطلاق وثيقة "وقفة حق" هو مناسبة لا للنظر الى الوراء، بل لننطلق الى الامام، بنفس الروح وبعزم واصرار جديدين. وذلك بالتركيز على المقاومة اللاعنفية والعمل بجدية على المقاطعة وطلب سحب الاستثمارات والعقوبات. بالعمل مع جميع شركائنا في العالم وكل محبي السلام لرفض الاحتلال وديمومته. بالتعاون مع اخوتنا المسلمين من اجل عدم توظيف الدين لاقصاء الاخر وسلب حقوقه. وإذا كنا نعاني في الاسابيع الاخيرة من مزيد من القتل وهدم البيوت وإجراءات الاحتلال الظالمة، فكل ذلك يزيدنا اصرارا على المطالبة بحقوقنا وعلى الالتزام بمبادئنا.

بعد ايام قليلة، سنحتفل بعيد الميلاد، نعم سنحتفل. سنحتفل بعيد ميلاد ملك السلام، برسالة الملائكة من السماء: "المجد لله في العلى وعلى الارض السلام". سنحتفل جميعا، مسيحيين ومسلمين، لان احتفالنا بالميلاد هو احتفال بالحياة، احتفال بالامل. لن تنسينا هذه الاحتفالات آلام اخوتنا واخواتنا. لن تنسينا شهداءنا، لن تنسينا اسرانا وكل من عانى ويعاني من الاحتلال؛ والا كان احتفالنا خيانة لروح العيد ومعنى العيد. نحتفل برسالة الميلاد كنوع من انواع الصمود والتأكيد على قيمة الحياة. نحتفل مع ومن اجل كل متألم وبتضامن صادق معهم. نحتفل لنقول للعالم اننا نستحق الحياة.

وثيقة "وقفة حق" هي وثيقة رجاء، تنير لنا الطريق، لتقودنا الى غد افضل، كما قاد النجم المجوس وارشدهم الى مكان الميلاد.