موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٧ ابريل / نيسان ٢٠١٨
"ريمونتادا" في الشام!

حنان كامل الشيخ :

لأنها مرت مرور الكرام على ذاكرة المتابعين من فئة الشباب، في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، وأعتذر حتى على استخدام كلمة "متابعين" في السياق، كان لابد من التوقف ولو قليلا احتراما وإجلالا لروح الوجدان العربي الذي بات من حكم المؤكد أنه يلعب في مكان آخر!

فعلى الرغم من أن الهجمة الثلاثية على مواقع محددة كما جاء في بيان القوات الأميركية، لم تخلف والحمد لله كوارث بشرية وإنسانية ، إنما كانت ضربة في مقتل لحقيقة وضع شبابنا العربي وعلاقته بقضاياه العربية.

ليس سرا يذاع عندما نتحدث أنها في ليلة السبت الفائت وقبله بعدة ليال، كانت قلوب وحناجر وتطلعات كثير من هؤلاء الشباب، موجهة بكاملها نحو لعبة كرة القدم، وتصفيات دوري أبطال أوروبا، من أجل أن يفوز فريق ما يشجعه هؤلاء، ليغيظوا عشاق الفريق الآخر عبر كل ما هو متاح من صور ومنشورات ومناكفات افتراضية وواقعية، تعيد إلى الرابح فيهم نشوة البطولة وفرحة الانتصار.

في الوقت ذاته، كانت مدينة عربية وبلدات وقرى تتعرض للدك والضرب من مختلف الأطراف المعنية وغير المعنية، دفع خلالها أطفال وشيوخ وشباب آخرون، لا يتابعون الكرة بطبيعة الحال، أرواحهم التي صعدت إلى بارئها، وأنفاسهم التي اختلطت بالغاز، وأجسادهم الهزيلة أمام خراطيم المياه الباردة. وبعدها كان نصيبهم وافيا ومستحقا من ضربات تجازي ضربات على وقع دقات قلوبهم الفارة من الموت إلى الخوف.

هذه المشاهد التي تملأ الشاشات باستفزاز كبير، أصبحت وكما هو واضح عبئا على مشاعر الشباب العربي، ولن أقول كلهم إنما أغلبهم، يحاولون الهرب منها يمينا ويسارا، فوق الموائد وتحت الوسائد، حتى لا تعكر عليهم "صفو" معاركهم الحقيقية في ساحات المونديالات والبطولات الكروية وقرعة التصفيات النهائية.

نعم، لقد صارت صور الشهداء والمصابين في شتى أصقاع أراضينا العربية المذبوحة من الوريد إلى الوريد، حملا ثقيلا على ضمائر من ورثوا الحروب والخلافات والمؤامرات والاقتتالات، من ذويهم الذين لم يفعلوا شيئا غير أنهم كانوا شهود عيان على الأزمات، مع جهد أكبر قليلا من المقاومة الكلامية، والحراكات الشعبية و بيانات الإدانة. فقرروا بعد أن اكتشفوا أثر الساحرة المستديرة، أن يستديروا بظهورهم أمام القصص الإخبارية المؤلمة، وأصوات الوجع الخارجة من الصور والحكايات. قرروا أن يستفيدوا من خاصية العجز ليمارسوا حقوقهم في المضي قدما نحو أي نافذة تفتح على مساحة للسعادة.

وليست الحروب فقط هي المقصودة بذلك الاستهتار إن صح التعبير، بقدر ما هو قرار باللامبالاة تجاه قضاياهم وحقوقهم ومشاعرهم، حتى لو كانت تخص بشكل مباشر أحلامهم في أوطان مستقرة، وفرص عادلة في العمل والدراسة والتميز. كلها صارت ثانوية في أولويات الشباب، بعد جرعات اليأس والظلم الذي طال عنفوانهم وطاقاتهم.

الغريب فعلا ليس الهروب المتزاحم على أخبار كرة القدم ونجومها المتألقين، ولا مراهنات الفوز والخسارة، ولا ردود الفعل المبالغ بها بسبب قرارات التحكيم، ولا السجالات التي لا تنتهي بعد كل مباراة. الغريب حقا أن هذا اللجوء الطوعي من قصف الأخبار وعصف التقلبات وظلم ذوي القربى، هو لكرة القدم التي إن طلب منهم أن يجربوا الخوض فيها ولو لدقائق معدودة، فإن أنفاسهم ستخنقهم ولياقتهم ستخذلهم.
شبابنا مهووسون في الرياضة جدا، ولكن مثلها مثل أي شيء، من بعيد لبعيد!