موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٥ سبتمبر / أيلول ٢٠١٣
رواية "يا مريم": رؤيتان لجيلين عن احداث العراق والتهجير

بيروت - رويترز :

الكاتب العراقي سنان انطون في روايته "يا مريم" يصدر حكما قاسيا على المستقبل في العراق من خلال وجهتي نظر مختلفتين جيل الشباب المتشائم الذي بلغ مرحلة اللا أمل وجيل الكبار الذي عاش أيام العراق الحلوة ولا يستطيع ان يصدق انها انتهت الى لا رجوع.

وصف الناشر الرواية التي جاءت في 159 صفحة متوسطة القطع بالقول "رؤيتان متناقضتان لشخصيتين من عائلة عراقية مسيحية تجمعهما ظروف البلد تحت سقف واحد في بغداد.. تدور احداث الرواية في يوم واحد تتقاطع فيه سرديات الذاكرة الفردية والجماعية مع الواقع ويصطدم فيه الأمل بالقدر عندما يغير حدث حياة الشخصين الى الابد.. تثير الرواية اسئلة جريئة وصعبة عن وضع الاقليات في العراق اذ تبحث إحدى شخصياتها عن عراق كان بينما تحاول الاخرى الهرب من عراق الآن".

في النهاية يؤدي الامر الى نهاية سوداء للاثنين يكاد القارئ لا يدري اية واحدة منهما هي الاسوأ نهاية الجيل القديم بالموت ونهاية الجيل الجديد الذي لم يعد امامه هربا من الموت سوى التشرد والهجرة الى بلاد الله الواسعة.

يصور الكاتب مصير العراقيين العاديين عامة في بلد يسيطر القتلة والمتعصبون فيه على مجالات عديدة في الحياة.

نموذجان مسيحيان يمثلان جيلين وعقليتين.. الشابة مها زوجة اياد وهي من جيل عصف به العنف الطائفي وكانت معظم ايامه اضطرابات وقتلا ومتفجرات ويوسف الذي يبلغ عمره أكثر من سبعين سنة وما يزال متمسكا بالعراق القديم وايامه الحلوة متصورا انها لا يمكن ان تزول نهائيا وان لا حياة له خارج بلده.

لقد طاول القصف والقتال منطقة بيت الزوجين الشابين في إحدى المناطق الخطرة فعرض نسيبهما يوسف الذي يعيش وحيدا استضافتهما في بيته الكبير.

الزوجان يسعيان الى السفر الى خارج العراق اما يوسف فيحاول ان يحافظ على شيء من نمط الحياة القديمة من خلال لقائه مع معارفه ومع سعدون صديقه المسلم الذي يشاركه افكاره وتصوراته.

يدور جدل بين يوسف والزوجين في شأن الوضع العراقي الرهيب. تقول مها "انت عيش في الماضي عمو".

يقول يوسف "قالتها مها لي بعصبية وهي تترك غرفة الجلوس بعد جدالنا الحاد. ارتبك لؤي زوجها واحمر وجهه وهو يناديها بصوت عال طالبا منها ان تعود... اعتذر مني وهو ينظر بعينين حزينتين وقال بصوت بلله الخجل "سامحها عمو انت تعرف هي شقد تحبك وتحترمك بس مو بيدها اعصابها كلش تعبانة".

يقول يوسف متسائلا "هل اهرب فعلا من الحاضر الى ملجأ الماضي كما اتهمتني هي.. وما العيب في ذلك... اذا كان الحاضر مفخخا ومليئا بالانفجارات والقتل والبشاعة.. ربما كان الماضي مثل حديقة البيت التي احبها واعتني بها كما لو كانت ابنتي. اهرب اليها من ضجيج الدنيا وبشاعتها. انها فردوسي في قلب الجحيم او "منطقة الحكم الذاتي" كما اسميها احيانا.

اضاف "يجب ان اسامحها فزمانها غير زماني وشبابها غير شبابي. هي فتحت عينيها الخضراوين على الحروب والحصار وذاقت طعم القحط والقتل والتشرد مبكرا. اما انا فقد عشت ازمنة الخير وما ازال اتذكرها واصدق بانها حقيقية".

يستعيد في ذاكرته حوارا دار بينهما بعد اطاحة نظام صدام حسين ومحاكمة طارق عزيز وزير الخارجية المسيحي وطلب اعدامه.
تقول بالمحكية العراقية "لو كان من جماعتهم ما كانوا عدمونو بس طبعا لانه مسيحي دمه رخيص.

"فأجبتها بهدوء ليش اللي انعدموا قبله شكانوا.. كلهم اسلام. هذا اول واخر مسيحي ينحكم اعدام".

تجيبه بقولها "عيني قيعدمونا بكل مكان بلا محكمة وما حدا بحكي. الكنايس قتنحرق والناس قتتهجر ويذبحون بين يمنة ويسرة".

يرد عليها قائلا "مو بس كنايس تنحرق بنتي. الجوامع اللي انحرقت أكثر بكثير والاسلام اللي انقتلوا عشرات الالاف". ويقول لها "مو قصة علينا لوما علينا. بس دولة ماكو والاقليات ما حدا يحميها غير الدولة القوية. احنا لا عندنا حزب ولا ميليشيا".

كان يتوقع ان تعتذر له. وكانت هي قد قررت ان تعتذر له فعلا وان تطبخ له طعاما يحبه لكن ذلك لم يتحقق اذ لم تستطع ان تلتقيه فقررت ان تلقاه في الكنيسة التي يقصدها عادة.

في الكنيسة وقف الجميع وبدأوا يصلون بصوت عال وعندما وصلوا الى "اعطنا خبزنا" اقتحمت اصوات اطلاق رصاص الكلمات التي كانوا يرددونها.. بدأ البعض يتلفت حوله ووراءه وسرت بلبلة.. تصاعد بكاء بعض الاطفال ثم هز انفجار عنيف الكنيسة كلها.. ارتبك يوسف وظل واقفا لا يعرف ما الذي يمكن له ان يفعله.

لمح مها.. هم باللحاق بها وناداها مرتين لكنها لم تسمع. ودخل رجال يحملون رشاشات وبدأوا باطلاق الرصاص بكافة الاتجاهات وعلى كل شيء.

"كانت مها جاثمة على الارض. فكرت بزوجها ووالديها وشقيقها وفكرت بيوسف الذي لم تعتذر منه".

لقد قتل يوسف مع الكثيرين الذين قتلوا في كنيسة سيدة النجاة. "ظل جسد يوسف مسجى على ارض الكنيسة لاكثر من اربع ساعات قبل ان يحمل الى الخارج بعد تخليص الرهائن واخلاء الجرحى... واحدة من الرصاصات الاربع التي كانت قد اخترقت جسده قبل ساعات كانت قد عثرت على قلبه واسكتته. قبل ان يسكت قلبه كانت شفتاه قد همستا بصوت خافت "يا مريم" لكنه لم يكمل جملته.