موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
رسالة المطران يوسف عبدالله متى لعيد الميلاد

:

"أنتَ كاھنٌ إلى الأبد" (مز 4:110 وعب 6:5).

ھكذا تُخاطب الأناشیدُ اللِّیترجیّة السَّیِّدَ المسیح في یوم میلاده المجید: "أنتَ كاھنٌ إلى الأبد على رتبة ملكيصادق".

من هنا فعید المیلاد ھو عید میلاد ھذا الكاھن الأعظم، الذي وحده دخل قدس الأقداس، وأجرى لنا خلاصاً وفداءً. عيد ميلاد الذي أسس سر الخدمة الكهنوتية لنكون على مثاله في هذا العطاء الإلهي، لأجل تحقيق سر الخلاص فينا وفي العالم أجمع.

وإذ نحن في ميلاد جديد لهذه الأبرشية العكاوية، وفي رؤية جديدة لكل ما هو خير للمؤمن في هذا الجليل المقدّس، نبدأ هذه الرؤية في تكريس أناس لخدمة مذابح الأبرشية، ليكونوا معاونين لنا في تحقيق هذا الخلاص.

ولھذا أردنا، نحن مطران هذه الأبرشية العكاوية، أن نكرِّس رسالة المیلاد لھذا العام 2019-2020، للكلام عن الخدمة الكهنوتية في زمن الميلاد هذا. ونُقدِّم التَّھاني القلبیّة المیلادیَّة لجمیع الذین نشترك معھم في النِّعمة العظیمة، أي نعمة الكھنوت المقدَّس، أولاً، لقداسة الحبر الأعظم، الباب فرنسيس، وإلى غبطة أبينا البطريرك يوسف، وإخوتنا الأساقفة الذين نرتبط معهم بالشركة الكنسية، أعضاء السينودوس المقدّس، ثم أبنائنا وأخوتنا الكھنة، لأن هذه السنة الميلادية تجعل من الكاھن "أعظم من الملائكة" كما یقول القدِّیس یوحنَّا فم الذَّھب. "ویجب أن تكون نفسه أطھر من أشعة الشَّمس، لكي یسكن فیھا الرُّوح القدس. فإلى أیَّةِ درجةٍ من القداسة والطَّھارة، یجب أن تصعد إلیھا تلك النَّفس الكھنوتیّة، التي تستقبل الرُّوح القدس؟"

كما ونُقدِّم التَّھاني المیلادیَّة إلى زوجات الكھنة والشمامسة، وبنوعٍ خاصّ إلى الآباء والأمَّھات الذین قدَّموا ویُقدِّمون أولادھم لخدمة الكھنوت المقدّس. ولیكُنْ ھذا العام مناسبةً لكي نتقدَّس كما تدعونا صلواتنا: تقدَّسوا یا حاملي آنیة الرَّبّ، "كونوا قدِّیسین لأنِّي أنا قدُّوس". (1 بطرس 16:1).

أحبتي جميعًا، مع بداية عهد جديد في هذه البقعة المقدّسة من الأرض، أودُّ أن أتوجه أولا لأخوتي الكهنة، والمسؤولين معي في رعاية هذه الأبرشية. فإنَّني في علاقةٍ روحیّة حمیمة أبویَّة معهم، أُفكِّر فیھم، عملھم، رسالتھم، مشاكلھم. وھذه الرِّسالة ھي ثمرة ھذا التَّواصل الأولي مع كھنتي الذین أحملھم دوماً في قلبي وفكري وصلاتي، خاصَّةً في كل احتفال ليترجي أقدمه لأجل مجد الله، لأن أمانة المسيح هي قوة أمانة الكاهن.

إن ھذه الرِّسالة هي فرصة فریدة سعیدة، أخاطب فيها الجميع، وإذا أردت أن أبادر بالتحية لكم، أقول: أحبكم لو تعرفون كم. وإنَّنا إذ نتوجَّه إليكم، نتوجَّه إلى ذواتنا. لا یمكن أن نقوم بواجبنا الرَّعائي الأسقفي بدون كھنتنا، لا یمكننا أن نخدم شعبنا بدون مؤمنينا وكهنتنا، لا یمكننا أن نعطي شعبنا الغذاء الرُّوحي: كلمة الله والإفخارستیا والأسرار، بدون الكھة والمؤمنين معًا، لأننا كلنا مدعوون للخدمة والعطاء بمحبة في هذا الزمن الميلادي.

رسالة محبة بالمسيح المولود لأجل خلاصنا:

نتوجَّه إلى الرُّعاة والمؤمنين في كنیستنا، فنحن من موقع المسؤولية ندعوهم الى المزيد من العمل والخدمة لأجل خلاص النفوس في الرعايا، فیجمع كلٌ منهم من حوله معاونین غَیورین، أمناء متحمِّسین مندفعین، یحملون معھم وإلى جانبھم وبإرشادھم، أعباء الرِّسالة وحمل البشارة، والتَّنظیم والإدارة ومختلف الخدمات التي تحتاج إلیھا الخدمة الكھنوتیّة الخاصة والعامة. لإنَّ النِّعمة قد أُعطیَت لكلِّ واحدٍ منَّا، على مقدار موھبة المسیح، وھو الذي "أعطى بعضاً أن یكونوا رسلاً، وبعضاً أنبیاء، وبعضاً مبشِّرین، وبعضاً رُعاةً ومعلِّمین؛ مُنظِّماً ھكذا القدِّیسین لأجل عمل الخدمة، في سبیل بنیان جسد المسیح، إلى أن ننتھي جمیعنا إلى الوَحدة في الإیمان، وفي معرفة ابن لله، إلى حالة الإنسان البالغ، إلى ملء قامة المسیح.

أحبتي، أبناء هذا الجليل المبارك

نحن الیوم بأمسِّ الحاجة إليكم جميعًا. بحاجة إلى كهنة قديسين لهم في الخدمة كما سبق وأوضحناها. بحاجة إلى معاونین من العلمانیِّین، مؤمنین أمناء غَیورین مِقدامین، نشطاء أقویاء، ذوي كفاءاتٍ عالیة، رجال أعمال، رجال سیاسة، أساتذة جامعیِّین. أناسًا ذوي نفوذٍ في المجتمع، وذوي فطنة وحنكة وحكمة، مستعدِّین أن یكونوا كجنودٍ أمام تحديات هذا العصر، وحرب البقاء، أنتم أيها العلمانيون كما یقول صاحب المزامیر: "كسِھامٍ بید جبَّار!" (مزمور 127).

یقول عنكم القديس بولس: "إنكم سفراء المسیح". سفراؤنا كخدَّام المسیح، لأنكم مؤتمنون على الرِّسالة، وعلى حمل بشرى الإنجیل إلى عالمكم! أنتم رسلنا، ورسل یسوع إلى العالم. أنتم تفعِّلون الرَّعیّة معنا، أنتم تحملون تعالیم یسوع، وبولس والرُّسل والقدِّیسین والرُّھبان، وتعالیمنا وتوجیھاتنا ومواعظنا إلى العالم، إلى مجتمعكم، إلى رفاق عملكم ومھنتكم ووظیفتكم، وإلى أخیكم المواطن من دینكم، ومن غیر دینكم، إلى الملحِد والمستھتر والبعید عن الكنیسة والإنجیل، وعن الرَّبّ، وعن تعالیم الكنیسة، وكل هذا من خلال خدمتكم لأجل الرب يسوع، وتعاملكم المسيحي المؤسس على أخلاق المسيح، مبدئ الايمان ومكمّله.

نحن بحاجة إلى الشَّباب، وإلى من ھم في شبابٍ دائم، في محبَّتھم للمسیح، وغَیرتھم على نشر تعالیمه المقدَّسة، وإظهار محبَّته للبشر. فالشباب ليسوا مستقبل الكنيسة!! إنهم حاضرها ومستقبلها واستمراريتها من خلال الروح القدس الذي قبلوه بالمسيح، ومن خلال التزامهم برعيتهم وكاهنهم وعائلتهم في الرعية التي ولدوا فيها وعاشوا فيها. هم استمرارية الايمان الموروث عبر السنين، ليجعلوه حيًا معاشًا في حياتهم أولا، وفي حياة من يلقاهم ثانيًا. إنهم مسيح آخر على الأرض.

نحن بحاجة الى عائلاتنا أن تكون كنيسة صغيرة يُزرَع فيها الايمان الأولي، ليكتمل في المدرسة والكنيسة. فالعائلة هي النواة التي فيها تنشأ الدعوة أيضاً، هي الرحم الذي يتغذى فيها الطفل/الطفلة من ايمان والديه، لينمو في محبة وشخص المسيح، الذي وُلٍدَ وعاش في عائلة مقدّسة مليئة بالنِعَم الإلهية، فكانت بمثابة مثال لكل من يريد عيش صورة الثالوث: الله الآب، الله الابن، والله الروح. الله الآب الذي أحب، الله الابن الذي عاش المحبة، الله الروح الذي يستمر في المحبة، ليصل على المحبة القصوى، وهي أن يعيش في الله، والله فيه، لأن الله محبة.

أيها الأحباء،

إن وحدة المحبة والايمان الواحد بيسوع القائم من بين الأموات، كما أن وجودَنا على هيكل واحد في الاسرار وشهادتنا أمام المؤمنين، والعمل معًا أيضًا في أمور مشتركة لأجل خير أولادنا، لا يقلل من أهمية تاريخنا أو وحدة التاريخ الذي يتكلم عنه الكثيرين. إن كل هذه الجهود وهذا الأمل، يشكّل الخطوة الأولى في مسيرة الوحدة الحقيقية التي أرادها المسيح لكنيسته. فلنصلِّ لأجل أن تتحقق هذه الوحدة، الوحدة الحقيقية مع جميع أطياف هذا الجليل المقدّس، والمدعو من الرب، دعوة خاصة، أن يكون نورًا للأمم ومجدًا للشعب الجديد.

دعاؤنا إلى الله بصلوات أم النور وجميع القديسين، الذين رافقوا الكنيسة منذ بداية عهدها الى يومنا هذا. إن صلاتنا الى الله، أن تنشأ علاقات أساسها المسيح، بين الاسقف والكاهن، وبين الكاهن والاخ الكاهن، وبين الكاهن وجمیع أبناء وبنات الرَّعیّة. ولتكن العلاقة مستوحاة أیضًا، من التَّحیّة في احتفالنا الإفخارستي، التي یتبادلھا المحتفلون فیما بینھم، والمؤمنون فیما بینھم، إذ نعلن قائلین: "المسیح فیما بیننا، كائن وسيكون".

سأعمل جاھدًا لكي ألتقي كلٌ منكم في بيته ورعيته في الأشهر القادمة، الكھنة أولاً، والرُّھبان والراهبات في أدیارھم ومراكز عملھم، كما سأعمل جاهدًا أن أزور رعايانا وبيوتكم العامرة (على قدر ما يتناسب مع وقت الكاهن). ولأنكم أنتم خاتم رسالتي في الرب، فبدونكم، الرسالة لا معنى لها، وليس لها أي أساس، لأن الختم هو الذي يعطي المصداقية لخدمتنا في المسيح.

وبعد. إنَّنا نتوجَّه إلى أبنائنا وبناتنا، في كلِّ جليلِنا وأبرشيتنا عمومًا، وفي رعایانا الرُّومیّة المَلَكیّة الكاثولیكیّة خصوصًا، ونعايدهم بتحية الميلاد: "وُلِدَ المسيح، هللويا"، ونتمنى للجميع ميلادًا مجيدًا، وعامًا جديدًا، فيه تتحقّق أنشودة الملائكة، عامًا آمنًا مثمرًا لمجتمعنا أولاً، ولكنائسنا ثانيًا، عامًا ملؤه الخير والصحة والنجاح. نشدّ على أيدي مؤمنينا، وندعوھم لكي یسمعوا نداء یسوع، ورعاتھم وآبائھم الرُّوحیِّین، ويعملوا ما هو للخير العام والبنيان. ونقول لهم أن هذه الأبرشية بحاجة إلیكم. وأن يسوع یدعوكم كما كان یدعو الرسل والمؤمنین، فإن رُعاتكم بحاجة إلیكم. وكھنتكم بحاجة إلیكم. كنیستكم تدعوكم، وأسقفكم بحاجة إلیكم، لنسير معًا نحو الولادة الجديدة لهذه الأبرشية، ونتمم عمل الخلاص الذي بدأ به المسيح المولود في مغارة بيت لحم لأجلنا جميعًا.

وإذ نستوحي هذه التحية الختامية من أسلافنا، فإنه وبحسب تقلیدنا الشَّرقي لا یمكننا أن نُنھي صلاةً أو نشیداً، إلاّ ویكون لمریم العذراء ذكر وطلب شفاعة وبركة. ولذا یطیبُ لنا أن نُنھي رسالتنا إلى كھنتنا وأبنائنا الأحبَّاء بذكر مریم العطِر، أمّ الكھنة، ومربِّیة نفوس القدِّیسین. ونقول لھا:

السَّلامُ علیكِ یا من تملأ شباك الصَّیادین.
السَّلامُ علیكِ یا حیاة الولیمةِ السِّرِّیَّة.
السَّلامُ علیكِ یا فخراً أثیلاً للكھنة الورعین.
السَّلامُ علیكِ یا برج الكنیسة الذي لا یتزعزع.
السَّلامُ علیكِ یا شِفاء جسدي.
السَّلامُ علیكِ یا خلاص نفسي.
السَّلامُ علیكِ یا من أظھرتِ المسیح الرَّبّ المحبَّ البشر.

میلاد مجید وعام سعید، وكل عام وأنتم جميعًا بألف خير

مع محبتي وبركتي ودعائي.