موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٧ مارس / آذار ٢٠١٣
رسالة المطران كريكور اوغسطينوس كوسا لعيد الفصح 2013

القاهرة - أبونا :

"إذا كان المسيح لم يقم من بين الأموات فإيماننا باطل" (1 قورنتس 13:15)

إلى إخوتي الكهنة الأحباء والراهبات الفاضلات،

وأبناء الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية في أبرشية الإسكندرية،

وإلى المؤمنين بالمسيح أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية،

بهذه البشارة المفرحة والسارة، نُلقي في هذا الصباح السلام على بعضنا ونحن على ثقة كاملة في تأكيدنا هذا على قيامة السيّد المسيح من بين الأموات كما يُعلّمنا القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل قورنتوس (1:15-28)، مبيّناً بين حقيقة القيامة وعدمها تثبيتاً للمسيحية بأجمعها أو تعطيلاً كاملاً ونهائياً لها.

فالمسيح في إيماننا المسيحي، وعلى الرغم من قيامه على الأرض بدور نبوي كامل، حيث أنه أوصى لنا بكل ما سمعه من الآب، وهو كلمته الأزلية، الذي تجسّد في الزمن من مريم العذراء وسكن بيننا (يوحنا 14:1) وهدانا إلى ما فيه خيرنا في هذا الدهر وفي الدهر الآتي، لم يقتصر عمله على النبوّة وحدها أو الإرشاد والهِداية، بل تعدّى هذا الوجه ليكون عملاً إنقاذياً أو فدائياً أو خلاصياً للإنسانية كلها مما كانت تتخبّط فيه من شرّ وخطيئة وموت، وعملاً تغييريّاً للكون والتاريخ، يرفع معه أبناء البشر جميعاً من مرتبة عبيد لله إلى مرتبة أبناء الآب السماوي، ويتحوّل الأبناء بفعل النعمة المُغدقة عليهم بالابن إلى إخوة متصالحين فيما بينهم بالحبّ والسلام، ومجتمعين حول أبيهم القدوس في ملكوت هو غاية الخليقة كلها وكمالها ونهايتها السعيدة.

المسيح آدم الجديد:

يعلّمنا القديس بولس أيضاً، أن السيّد المسيح هو في التاريخ بمثابة آدم الجديد، أي بعد خطيئة آدم الأول وعصيانه أوامر الله انقلب الفردوس الأرضي الأول من جراء هذا التصرف إلى جحيم من الشرّ والإنقسام والعداء، فحمل يسوع بموته على الصليب ثقل خطايا كل أبناء البشر وقدَّم ذاته كفّارة عنهم جميعاً بدون استثناء، وذلك ليمنحوا بصليبه فرصة لانطلاقة جديدة وكيان جديد وحياة جديدة.

والكنيسة التي أسسها السيّد المسيح ليست إلاَّ خادمة للإنسانية المدعوة كلها إلى أن تتجدّد بالنعمة والحبّ. لأن الرّب يريدها خميرة جديدة في عجين العالم، تساعده في عملية تحقيق ذاته كما يريد له الله أن يكون وأن يتحقّق.

القيامة ثمار الرجاء والمحبّة:

أما قيامة المسيح، فهي تعني بالعمق أن هذا المشروع الخلاصي للبشرية بأسرها قادها إلى نجاح، وان قوة الشرّ على الخير قد صرعت واستبعدت وتلاشت نهائياً من الوجود. هذه هي ثمرة الإيمان والرجاء والمحبّة المزروعين في قلوب المؤمنين بقيامة يسوع المسيح. وفي المؤمنين بالله إيماناً صافياً يملأهم محبّة وسلاماً للناس أجمعين، ويدفعهم إلى عدم إهمال أحد من حساب هذه المحبّة. ولولا قيامة السيّد المسيح له المجد لما كان فينا أي أمل بمثل هذه الثمار "كان إيماننا باطلاً ولا نزال بخطايانا" (1 قورنتس 17:15) وكنّا أشقى من جميع الناس.

على هذا الأساس من النظرة الكونية إلى المسيحية وإلى رسالتها في العالم، يدعونا قداسة البابا بندكتس السادس عشر من خلال السينودس "الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة" إلى الالتزام المسيحي، سواء كان على مستوى المجال الإنساني الشامل أم على مستوى الشهادة التي نحملها في محيطنا الإقليمي وفي مجتمعنا الوطني.

القيامة إلتزام وفحص ضمير:

نحن المسيحيون ملتزمون بفعل إيماننا بالقيامة، وكل عمل نقوم به، يعني أن نبني إنسانية متضامنة حقاً في كل ما يعود إلى الخير العام وتوزيع خيرات الأرض لكل أبنائها بدون استثناء.

ونحن ملتزمون بذلك لأننا نؤمن بالأخوّة الشاملة فوق حدود القوميات والأعراق والحضارات على أنواعها... إن عملنا هو في سبيل خدمة الله وخدمة القريب. وما يريده الله منّا أن نفعل الخير ونخدم كل إنسان. فالله يسعى لخلاص الإنسان بكل رحمته وحنانه ليردّه عن ضلاله والعودة إليه.

نرى المسيحية اليوم في حزن لما يحدث في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط من منازعات وحروب واضطهادات، وأساسها عدم الاعتراف بالآخر وبحقوقه، وعدم قبوله أخاً ومشاركاً في ميراث الله الواحد. نحن في حاجة إلى المحبّة والحوار الأخوي البنّاء. لعلَّ الله يهدينا بالحسنى سواء السبيل فلا يسيطر ولا يقوى بعضنا على بعض، بل نصلح أمورنا بالمحبّة التي تنير وحدها الأبصار والقلوب، وتحل المعضلات جميعها مهما كانت مستحيلة ومستعصية.

اليوم وبمناسبة عيد القيامة نحن مدعوون إلى مراجعة ضميرنا وفحصه فحصاً دقيقاً، والإرشاد الرسولي الذي أعطانا إيّاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر "الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة" هو إرشاد ورسالة للعيش الأخوي الكريم المبني على المحبّة الجامعة ومساعدة كل إنسان بحاجة إلى مساعدتنا، وتوفير لهم بقّوة ضمائرنا الحيّة حلاً لمطالبهم وصعوباتهم، لأن محبّة الله لا تسمح بأن ندعهم يقعون فريسة لما يتخبّطون به من مشاكل تمس كرامتهم البشرية قبل أن تضرب أجسادهم بالعوز ونفوسهم باليأس والقنوط.

أيها الأخوة والأبناء الأحباء

إن تحدّيات القيامة كثيرة والرّب يطلّب منّا في نفض الأنانية والكبرياء من على أجسادنا وقلوبنا، وإقامة العدل والإنصاف وترسيخ حياة الحبّ الصافي الذي لا غشّ فيه، لأن قيامة المسيح كانت في بادئ الأمر وما زالت انتصاراً شخصياً له على أن تصبح انتصاراً لنا جميعاً على كل عداوة أو شرّ أو تقصير.

فلنستقبل العيد بإيمان بقبولنا لمعانيه ومضمونه، وبهذا فرح القيامة يكتمل وبهجة القلوب تشعّ وتنشر حبّه بين الناس.

فليزيّن الرّب يسوع، القائم من بين الأموات والمنتصر على كل أنواع الشرّ حياتكم بهذا الحبّ الإلهي. عليكم جميعاً نعمة الرّب يسوع!

محبّتي لكم جميعاً في المسيح يسوع (1 قورنتس 23:16-24).

المسيح قام... حقاً قام