موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٤ ابريل / نيسان ٢٠١٦
رسالة المطران عادل زكي لعيد الفصح 2016

القاهرة - أبونا :

إخوتي وأخواتي الأحبّاء،

الإيمان بقيامة يسوع المسيح، بالنسبة إلينا، شرط لا بدّ منه. فنحن مسيحيون لأننا نؤمن أن يسوع المسيح حيّ، وهزم الموت، وقام، وهو بالنسبة إلى جميع الناس، الوسيط بين الله والبشر.

قيامة المسيح تشكّل باكورة عالم جديد، ووضع للإنسان جديد. إنها تخلق للإنسان بعداً جديداً لكيانه، وإطاراً جديداً لحياته: الحياة مع الله. وهي تعني أيضاً أن الله ظهر حقاً، وأن المسيح أصبح المعيار الذي يستطيع الإنسان أن يتكل عليه.

قيامة المسيح "أصبحت اللجوء إلى نوع جديد من الحياة، جاد كل الجدّية، نحو حياة لم تعد خاضعة لشريعة الموت والتحوّل، بل قائمة ما بعد ذلك، حياة دشّنت بعداً جديداً لكيان الإنسان"، كما كتب قداسة البابا بندكتس السادس عشر، في المجلّد الثاني من كتابه "يسوع الناصري".

يسوع الناصري لم يستأنف حياته المألوفة كما كانت في هذه الحياة، كما في حال لعازر والموتى الأخرين الذين قاموا بفضل المسيح. فالبابا يتابع قائلاً: يسوع "قام نحو حياة مختلفة، جديدة. خرج نحو الله اللامتناهي، وظهر انطلاقاً منه إلى أحبّائه".

قيامة المسيح حدث يشكّل جزءاً من التاريخ وفي نفس الوقت، يفجّر مجال التاريخ، انطلاقاً إلى ما بعده. بندكتس السادس عشر يفسّر ذلك مستعيناً بتشبيه: "إنها -إذا سُمح لنا أن نستخدم ولو مرّة واحدة تعبير التطوّر- أعظم "تغيير"، القفزة المصيرية نحو بُعد جديد لا سابقة له عبر تاريخ الحياة وأطوارها: قفزة من نوع جديد على الإطلاق، يعنينا ويعني التاريخ بأسره" (كلمة ألقاها في عشيّة الفصح سنة 2006). وبالتالي، قيامة المسيح لا تقتصر على شخص كغيره عاد إلى الحياة. بل بداية بُعد يعنينا جميعاً، بُعد خلق لنا جميعاً "مجال حياة جديدة، مجال الحياة مع الله"، على حد شرح البابا في كتابه "يسوع الناصري".

روايات الأناجيل، رغم اختلافها في الأسلوب والمضمون، تهدف كلها إلى الاقتناع الذي وصل إليه تلاميذ يسوع الأوّلون: إن عمل يسوع الخلاصي، كما أوحت به الكتب المقدّسة، لم ينته بموته. بالعكس، إنه تحقيق لوعد صدر عن الله منذ بداية البشرية، وبالتالي كون يسوع حيّاً وفاعلاً في التاريخ، إثبات للأمل الذي نعقده على الله، أعني أن الحقيقة والخير والعدالة والرحمة، كل ذلك يجب أن ينتصر، وتكون له الكلمة الأخيرة، لأن الله صادق في وعوده.

على ضوء المسيح والقيامة، نحن مدعوون إلى نقل الرجاء والثقة إلى الذين من حولنا. نعم، في عالمنا هذا، الذي كثيراً ما يعاني من الحقد والعنف، ومع ذلك ما زال يحبّ الله، فلنرفع أنظارنا نحو الحياة، ولنسارع إلى مبادرات تعبّر عن إيماننا في قدرة الإنسان على إحراز السلام والعدالة. المسيح القائم من بين الأموات يريد أن يجعل هذا العالم، على أيدينا، مؤهلاً للعمل وللحياة.

المسيح قام، حقاً قام!