موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١١ أغسطس / آب ٢٠١٧
رحلتي من التغذية إلى الإعلام

هبة العكشة :

تردّدتُ كثيراً قبل أن أبدأَ بكتابة “قصّة نجاحي”… ذلك أن للقصص نهايات لكن لا نهاية للنجاح. فالنجاح قصةٌ لا تنتهي! حتى الموت لا يستطيع أن يُنهي قصص النجاح، لأن النجاح ليس فقط بالإنجازات الأكاديمية أو الوظيفية, وإنما بالأثر الذي نتركُه في نفوس الناس وفي التغيير الذي نُحدِثُهُ في بقعة الأرض الصغيرة التي عِشْنا عليها.

اليوم أُشارككم “مقدمة” قصة نجاحي، نجاحي الذي لم يكتمل بعد لكنّي على يقين من أني سأنجح يوماً ما، لأني أثق بالله أولاً, ثم بصوتي الداخلي الذي لا يكف أبداً عن تذكيري بشغفي في الحياة.

لكل قصة حبكة، و في قصتي حبكات عديدة، كان أوّلها التوجيهي, فقد كان حصولي على معدّل 87,00 في الفرع العلمي خيبة أمل لي، مع أنه معدل جيّد في نظر الكثيرين، لكن الوضع كان مختلفاً بالنسبة لطالبة كان يُتوقَّع منها أن تحصل على معدل 97 .

“لكن لماذا؟” … هذا السؤال الذي كنت أوجهّه لنفسي مِراراً, وفي النهاية تكون النتيجة قائمةَ الظروفِ والأحداثِ والأشخاص الذين ساهموا في “فشلي”; كما كنت أُسمّيه. استغرقتُ وقتاً ليس بقصير لأكتشف أن لا فائدة من إيجاد المتّهمين, وأني إذا استمريت في التفكير في الماضي فإن المتهم الوحيد في فشلي في المستقبل سيكون “أنا” وحدي!

أذكر أن آخر مرة بكيت فيها على الماضي وعلى التوجيهي، كانت بعد تخرُّجي من الجامعة الأردنية وحصولي على درجة البكالوريوس في تخصص تغذية الإنسان والحميات بمعدل امتياز! أدركتُ متأخرة قليلاً أن التغذية ليست شغفي، وأن العمل كأخصائية تغذية ليس طموحي… أذكرُ تلك الليلة جيداً، سيلٌ جارفٌ من الدموع وأحاديثُ ندمٍ ولومٍ كثيرة مع والديّ.

انتهت نوبة البكاء…ومرت الأيام ببطء… وسألت نفسي “ماذا الآن؟”..

فكّرت كثيراً قبل أن أقرر التخلي عن فكرة الاستمرار في مجال التغذية… وكان هذا قراري الأصعب! فأنا بذلك أهدم ما بنيته في الأربع سنين الماضية, وأضع شهادة بكالوريوس بمعدل امتياز في درج المكتب!!

قرّرتُ أن أبدأ من جديد إذن وأبحث عن شغفي! قد تسألونني “ماذا عن الأربع سنين التي ضاعت من عُمركِ؟” أقول لكم خيرٌ من أن يضيعَ عُمري كاملاً وأنا أعمل في مجال لا أُحبّه.

يقول باولو كويلو :”ثمة أناس كثيرون يخافون من الشغف, لأنه يُدمّر فى طريقه كل ما يتعلق بالماضي” وأنا كنت من أولئك الذين لم يخافوا!

وبدأت رحلة البحث عن الشغف… وسألتُ نفسي ما هو الشيء الذي أُحبُّ فعلَهُ وأُبدِع به ومستعدةٌ أن أفعله حتى آخر يوم من عُمري دون مَلل؟ … ولأعثرَ على الإجابة عُدت للماضي قليلاً, لكن هذه المرة ليس للندم, وإنما لأتذكّر ميولي وهواياتي قبل أن أدخل الجامعة. وبدأ ذلك الشيء الذي أبحث عنه يتضح شيئاً فشيئاً… لقد كان دُرج مكتبي ممتلئاً بالأوراق؛ قصصٌ قصيرة ومقالات ومسودات… إذن, أنا أحب الكتابة وأمتلك المهارة اللغوية للتعبيرعن رأيي!! وهذا شيء أستمتع بفعله ومستعدّة أن أفعله طوال عمري, ثمّ إنه الشيء الوحيد الذي باعتقادي سأكون به قادرةً على ترْكِ أثرٍ في العالم وجعلِه مكاناً أفضل.

وبعد أن وجدتُ شغفي لم أحتَج الكثير من الوقت للتفكير في الخطوة التالية لأن القَدَر أهداني فرصةً ذهبية! فبينما كنت أتصفّح الفيسبوك قرأتُ إعلاناً لدراسة دبلوم إعلام في إحدى الجامعات الخاصة, وبعد استشارة والداي ذهبت لأسجل في الجامعة. أذكر أن والدي قال لي أن عيوني كانت تلمع كثيراً عندما ملأتُ استمارة التسجيل وأنه لم يرَنِي فَرِحة بهذا الشكل منذ مدة.

ما إن بدأتِ المحاضرات حتى تأكدّتُ أنّي في المكان الصحيح, أمّا تخصص التغذية الذي كنت أعتقد أنه لم يعد له معنى فقد أعطاني ميزة إضافية, إذ أن عدداً قليلاً جداً من الصحفيين يمتلكون خلفية علمية, بالإضافة إلى أن دراسة تخصص علميّ تفتح لك العديد من الأفآق وتجعلك أكثرَ تمكنّاً في العديد من القضايا التي تخصُّ العلوم والصحة.

وأثناء دراستي التقيتُ بالأستاذ أحمد حسن الزعبي الذي شجّعني على الكتابة ونَشْر مقالاتي في موقعه الإلكتروني “سواليف”, وبدأتُ أرى تفاعل الأصدقاء والأقارب مع كتاباتي, وسُرعان ما أصبح لي متابعين لم ألتقيهم يوماً وأصبحوا ينتظرون مقالاتي.

مَرّ على هذه الأحداث قرابة السنة, أكملتُ الدبلوم وحصلتُ على المرتبة الأولى بحمد الله. الآن أمارس شغفي بكتابة المقالات الاجتماعية والسياسية الساخرة على موقع سواليف. تدرّبت بعدها في إحدى المنظمات الإنسانية التي تُعنى باللاجئين, والآن – وبحمدالله- بدأتُ أعمل معهم رسمياً.

علّمني العام الماضي دروساً كثيراً, أهمّها أنني أنا الوحيدة القادرة على التحكم في سفينة حياتي, قد تُجبرنا الظروف أحياناً على تغيير مسارنا, لكننا نحن الوحيدون الذين نقفُ خلف الدفّة وبذلك الوحيدون المسؤولون عن تصحيح مسارها وإعادة توازنها. الشغف هوالرياح التي تدفع بسفينتنا إلى الاتجاه الصحيح وهو ما يجعل لرحلتنا معنى! قد تضربك الأمواج بقوة بين الفينة والأخرى لذلك أمسِك بالدفّة جيداً و ثِق بأن الله تعالى لن يتركك وحيداً.

آمل أنّ ما كتبته لكُم سيساعدكم على اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل أو مساعدتكم على تخطّي تجربة قاسية مرَرْتُم بها في الماضي… و أخيراً لا تنسوا أن تستمعوا لقلبكُم جيداً وتَتْبعوا شغفكم.