موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٦ فبراير / شباط ٢٠١٣
رجل الدين محور الوئام والسلام

الأب نادر سليم ساووق :

عن الرأي الأردنية

في مفهوم كثير من الناس أن دور رجل الدين ينحصر في شرح تعاليم الدين والوصايا والقيام بالشعائر المقدسة، في الوقت الذي تقع فيه على رجال الدين بالإضافة إلى ما ورد ذِكره مسؤوليات ومهام تشكل جزءًا لا يتجزأ من رسالتهم التي كرَّسوا أنفسهم من أجلها وهي تقريب الناس من الخالق تعالى ونشر المحبة والرحمة بينهم.

ويجيء دور رجل الدين في المجتمع وحضورُه من أجل خدمة الإنسان ومن أجل إشاعة ثقافة السلام والتسامح. وهذا الدور ليس طارئاً، لأن الحياة المعاصرة سلطت الضَّوء على ضرورة أن يصبح هذا الدور محوراً أساسياً في كل ما نتحدث عنه من حوار وانفتاح وقبول الآخر. ومن هنا تأتي أهمية رجال الدين الواعيين والملتزمين، ذلك أن دورهم يتسع ورسالتهم تمتد لمحاربة الشر والفساد والقضاء على الجهل والتعصب من جانب، ومن جانب آخر الانفتاح بروح الشمولية والأخوَّة على الناس بجميع أطيافهم ويكون هذا كله على أساس المحبة، فالمحبة هي المقدمة الأولى للانفتاح وقبول الآخر. ولا بد من القول إن على رجال الدين وبما لهم من احترام وتأثير في المجتمع وبين الناس الوقوف إلى جانب الجهات صاحبة الشأن للمحافظة على الاستقرار، ولإبقاء عجلة البناء تعمل وتتقدم لما فيه مصلحة الوطن وأبنائه.

إن المحافظة على القِيَم والضوابط الأخلاقية تشكل دعامة لكل تقدم إنساني أصيل وهي من واجبات رجال الدين بما يحملونه من مسؤوليات تجاه الله والإنسان.

وليس من إصلاح ممكن إذا لم يكن أساسه الأخلاق وليس من أخلاق ممكنة إذا لم تكن متجذرة بالمحبة. المحبة هذه الفضيلة السامية تاجها البذل والعطاء، وأساسها البنيان والتسامح، وغايتها الارتباط بالله تعالى.

ومع الاحتفال بمناسبة أسبوع «الوئام بين الأديان» الذي اعتمدته الأمم المتحدة بمبادرة سامية من جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم، فإن هناك مجموعة ملاحظات ينبغي التشديد عليها والعمل على ترسيخها في العالم وفي مجتمعاتنا الشرقية خصوصاً ومنها: احترام التعددية الدينية والفكرية والثقافية كذلك العمل المتواصل من أجل السلام ونبذ العنف بجميع أشكاله والسعي إلى إحلال العدل بين الناس وتحقيق الكرامة الإنسانية.

وقد يعجب البعض إن قلنا إن موضوع البيئة والمحافظة عليها من العبث وتفعيل الانسجام بين الإنسان والطبيعة تعطي نتائج أفضل إن كانت موضع اهتمام رجال الدين في توجيهِهم وإرشادهم لبني مجتمعهم.

إن الديانة التي تبغي خدمة الله و خدمة الإنسان ، لابد لها من أن توظف كل طاقاتها الفكرية واللاهوتية في خدمة هذه القيم السامية، وبالتالي يجب اللجوء إلى المبادئ الأساسية والثوابت الدينية والأركان المجتمعية في علاقات البشر الدينية والحياتية. ومن هذا المنطلق سعى أحد المفكرين المعاصرين، وهو اللاهوتي الكبير»هانس كينغ» إلى أن يسبك منظومة تفكيره سبكاً محكماً في كتاب صدر عام 1990 بعنوان: مشروع أخلاقي عالمي- دور الديانات في السلام العالمي».

وجاء في مقدمة الكتاب «لا استمرار من دون أخلاق عالمية ولا سلام عالمياً من دون سلام ديني، ولا سلامَ دينياً من دون الحوار بين الديانات». ذلك هو الموضوع الرئيسي في هذا الكتاب. لأن الهَمَّ الأكبر هو تحقيق مستقبل مشرق آمِنٍ واضح المعالم للأجيال من بعد. وأن السبيل نحو هذا الهدف يكون بالدعوة إلى الحوار الجَّاد البنَّاء بين جماعات تعرف» أن تصمت معاً، وتتأمل معاً، وتفكر معاً من أجل الخير العام».

لقد دعا قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في»إرشاده الرسولي» عام 1997 رجال الدين المسيحيين والمسلمين وغيرهم من المعنيين بالديانات الأخرى إلى التزام نهج الحوار فيما بينهم مبيِّناً: «إن حواراً حقيقياً بين مؤمني الأديان التوحيدية الكبرى يجدر أن يرتكز على الاحترام المتبادل والعمل معاً على حفظ العدالة المجتمعية والقيم الأخلاقية والسلام والحرية وتنميتها لجميع الناس».

إن أجمل ثمار هذا الحوار هو في نظر قداسته «المشاركة في تغيير العالم وتوبة القلب والنضال في سبيل العدالة بالمحبة والأخوة» إن رجال الدين بواسطة هكذا حوار يخطون خطوة مهمة على «طريق التواصل البشري الغني والتعاضد الذي يقوي الجنس البشري الاجتماعي الشامل» وبالتالي فإن رجال الدين يصبحون مرشِدِّي الحياة وأدلاء الخلاص عندما يتعاونون معاً في خدمة العدالة والحرية والسلام والمصالحة بين الناس دون تفرقة ولا تمييز.