موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر السبت، ١٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٤
رئيس وزراء مسيحي.. لم لا؟

أسامة الرنتيسي – العرب اليوم :

من نظرة علمانية ليست مرتبطة بالهُوية الدينية، أطرح تساؤلًا للنقاش العام، حول تغيير عُرف وتقليد في الاردن جرى العمل به منذ نشوء الدولة، بان لا يتقلّد المناصب العليا شخص غير مسلم، وانسحب ذلك على رئاسة الحكومة ورئاسة الديوان الملكي والمناصب القيادية العليا في الدولة الاردنية.

نحتاج اكثر ما نحتاج في هذه الايام الى تكسير أعراف وتقاليد بنيت عليها الدولة، لمصلحة المواطنة والكفاءة والسمعة الحسنة للشخص، بعيدا عن الهُوية الدينية وانحيازا الى فكر الانسان الاصلاحي، وديمقراطيته المشهود لها، وسمعته الوطنية التي لم تلوثها شائبة، وسيرة حياته البعيدة عن شبهات الفساد والافساد.

في ظل الهجمة الشرسة التي تقاد على العقل الانساني، بحيث بات التقسيم عنوان المرحلة، الطائفي، مسلم ومسيحي، والمذهبي، سنّي وشيعي، كاثوليكي وارثوذكسي، والعرقي، عربي وكردي وفارسي، لا مجال لمواجهة أمراض العصر الحديث ومعاركه القذرة، إلّا بمزيد من العلمانية واحترام عقل الانسان، والخروج من التابوهات وعقليات القلاع الدينية.

بعد اختطاف العقل من قِبل قوى الجهل والتخريب، واتساع النزاعات في المنطقة والعالم، على اسس دينية وعودة لقرون مضت، لا يتمنى أحد أن تعود، علينا مواجهة هذه الارتدادات الجاهلية بمزيد من تعظيم ما هو جوهري وحقيقي في رسالاتنا السماوية، وثقافاتنا الحضارية، بعيدا عن ثقافات القتل والسبي والاستعباد، التي حاربتها الاديان السماوية جميعها.

ماذا يضير الاردن لو قدم أنموذجًا تقدميًا، ليس للداخل فقط، بل رسالة الى العالم، من بقعة جغرافية محاصرة بالنار والقتل والاحتلال من كل جهاتها، في رفع شعار المواطنة والكفاءة في اختيار الاشخاص للمناصب القيادية للدولة الاردنية بعيدا عن عُرف تَكَرَّس لعشرات السنين من دون ان يستند الى القانون والدستور، الذي اكد أن "الاردنيين امام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين".

نحتاج في المملكة الرابعة الى قفزات حقيقية في تكريس القانون والدستور، والخروج على المألوف، وما فرضه العُرف والتقاليد، نحتاج الى قرارات جريئة وحكيمة غير متوقعة، تصل الى ان يعتلي سدة المناصب العليا في الدولة مَن هو الاكثر كفاءة، مسلمًا كان أم مسيحيًا، وسوف نتفاءل اكثر اذا وصلت سيدات من صاحبات الكفاءة والخبرة والعطاء والسيرة الديمقراطية ممارسةً وعملًا الى اعلى المناصب.

برواية موثوقة جدًا، لا يزال أصحابها على قيد الحياة، ان جلالة الملك المرحوم الحسين استدعى احد رجالات الاردن المسيحيين بعد ان عرف عنه الكفاءة والاخلاص والوطنية الصادقة، وعرض عليه تسلّم رئاسة الحكومة، فبادر هذا الشخص وقال لجلالة الملك المرحوم: لكن يا سيدي أنت تعرف انني غير مسلم، فما كان من جلالة المرحوم إلا أن قال حرفيًا: "شو يعني..".