موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الإثنين، ٣١ أغسطس / آب ٢٠١٥
رئيس جامعة اكسفورد يكتب: "البابا في أمريكا"

بقلم: كريس باتن ، ترجمة: إبراهيم علي :

أراهنكم على دولار في مقابل سنت أن زيارة البابا فرنسيس للولايات المتحدة في سبتمبر سوف تكون واحدة من أكبر القصص الإخبارية في عام 2015. فإذا وضعنا في الاعتبار العدد الهائل من الكاثوليك الأميركيين، وأضفنا إلى ذلك المهارات الدبلوماسية التي يتمتع بها المسؤولون في الفاتيكان، فضلاً عن تصريحات فرنسيس القوية حول مجموعة متنوعة من المواضيع، والتي تستعدي غالباً جناح اليمين في أميركا، فسوف نجد أنفسنا أمام كل المكونات اللازمة لحدث ملحمي.

لنبدأ بالدبلوماسيين. صحيح أن المسؤولين في الفاتيكان لم يسلموا من الانتقادات، وخاصة من البابا فرنسيس ذاته. ولكن صفوفهم تضم مسؤولين أذكياء رفيعي المستوى، بقيادة كبير مستشاري البابا، الكاردينال بيترو بارولين، الذي يتمتع بخبرة كبيرة في العمل بهدوء من أجل السلام والعدالة الاجتماعية في بعض أجزاء العالم الأشد خطورة على الإطلاق.

عندما توضع مثل هذه الدبلوماسية الذكية في خدمة بابا يتسم بالجاذبية والنفوذ، ناهيك عن 1.2 مليار كاثوليكي في مختلف أنحاء العالم، فلا بدّ أن تكون النتيجة محركاً لفعل الخير أضخم من أي شيء شهده العالم لبعض الوقت.

الواقع أن الطرائف التي تحكى عن فرانسيس؛ من ميله إلى إجراء مكالمات هاتفية شخصية مع أولئك المنكوبين إلى القرار الذي اتخذه بغسل أقدام المجرمين، والمسلمين، والنساء (وهو ما أثار رعب بعض رجال الكنيسة)، صادقة إلى حد ما. وقد ساهمت مثل هذه الأفعال النبيلة في تعزيز سمعته كزعيم عطوف، وودود، وصاحب كاريزما، وحاسم - زعيم أثبت كونه شديد الجاذبية في مختلف أنحاء العالم.

تشير تجربتي الشخصية مع فرنسيس إلى أن سمعته هذه مستحقة. وبرغم أنني وقد بلغت من العمر 71 عاماً ربما أكون أكبر سناً بعض الشيء من أن أنغمس في عبادة الأبطال، فأنا لا أستطيع أن أتذكر أي شخصية عامة وجدت معها مثل هذا الدفء الذي وجدته معه. كما أنه يجسّد الرسالة بحسب ما جاء في إنجيل القديس متى، في العظة على الجبل: "طوبى للجياع والعطاش إلى البر" (متى 5: 6).

إن السلطة الأخلاقية التي ينضح بها فرنسيس تجعل تدخلاته في القضايا المعاصرة؛ مثل إدانته للإبادة الجماعية للأرمن، وعنف الجهاديين الإسلاميين، وإجرام عصابات المافيا وفسادها في إيطاليا، وموت المهاجرين من إفريقيا والشرق الأوسط في البحر الأبيض المتوسط، بالغة القوة. ومن المؤكد أن وجهات نظره بشأن ثلاث قضايا، لا تثير أي منها جدالاً في الولايات المتحدة، سوف تخلف تأثيراً قوياً بشكل خاص.

فأولاً، يساعد فرنسيس في إنهاء الأزمة التي دامت عقوداً من الزمن بين الولايات المتحدة وكوبا. فلم يلعب الكاردينال بارولين، رجل الفاتيكان في فنزويلا سابقاً، دوراً رئيسياً في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوبا فحسب؛ بل إن فرنسيس يخطط لزيارة الجزيرة في طريقه إلى الولايات المتحدة.

ولكن ذوبان الجليد في العلاقات الأميركية الكوبية لم يكن موضع ترحيب من قبل كل الساسة في الولايات المتحدة. فبرغم رغبة الرئيس باراك أوباما الواضحة لإنهاء الجمود الدبلوماسي العقيم، يبدو أن بعض الساسة الأميركيين المنتمين إلى جناح اليمين يفضلون وضع المنبوذ على الشريك المحتمل على ساحل فلوريدا.

وتتعلق القضية الرئيسية الثانية التي سيتناولها فرنسيس بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ الموضوع الملغم بالنسبة للولايات المتحدة، الحليفة الأكثر أهمية لإسرائيل. فقد أعلن الفاتيكان عن عزمه التوقيع على معاهدة تتضمن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ونظراً لسجل فرنسيس الطويل من الصداقة مع اليهود، وفهمه لديانتهم وثقافتهم، فمن غير الممكن أن يدينه أي سياسي إسرائيلي باعتباره معادياً للسامية.

ومع هذا، ففي أجزاء من المؤسسة السياسية الأميركية، تُعَد إسرائيل، وخاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب الليكود، معصومة من الخطأ. حتى أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي قال لي ذات يوم: "جميعنا هنا أعضاء في حزب الليكود".

أما القضية الثالثة، وهو الأكثر تحدياً لبعض الساسة الأميركيين، وخاصة الأكثر محافظة بينهم، فتتعلق برسالة البابا فرانسيس الأخيرة حول المحافظة على البيئة، وتغير المناخ، والتنمية الاقتصادية المستدامة والعادلة. فهو يعتزم بوضوح وضع ثِقَل البابوية الأخلاقي الكامل وراء الجهود الرامية إلى إبرام اتفاق بشأن تغير المناخ في مؤتمر الأمم المتحدة في باريس في شهر ديسمبر. ومن الواضح أن تصريح أوباما مؤخراً عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تتماشى إلى حد كبير من اللرسالة البابوية.

وسوف يناقش فرنسيس بلا أدنى شك ذلك الموضوع في خطابه أمام الكونجرس الأميركي، و30% من أعضائه، بما في ذلك رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر، من الكاثوليك. ولأن العديد من المرشحين البارزين للفوز بتشريح الحزب الجمهوري لمنصب الرئيس، بما في ذلك جيب بوش، وماركو روبيو، وبوبي جيندال، من الكاثوليك أيضاً، فإن موقف فرنسيس القوي من تغير المناخ ربما يخلق معضلة سياسية خطيرة للبعض.

وبالفعل، هناك بعض العناصر الأكثر محافظة في السياسة الأميركية، المدعومة بأولئك من أمثال الأخوين المليارديرين ديفيد وتشارلز كوخ، الذين يستفيدون من التقاعس عن التصدي لتغير المناخ، التي تحاول شجب وجهات نظر فرنسيس والتنديد بها. وفي حين حاولت الكنيسة الكاثوليكية ذات يوم قمع العلم والعقل، وخاصة في إدانتها لجاليليو، فإنها اليوم تدافع عنهما، في حين ينكر الساسة الأميركيون المحافظون الحقائق. إن البابا فرنسيس يقف في صف العقل بقدر ما يقف في صف الملائكة.

في عام 1891، أصدر البابا لاون الثالث عشر رسالة بابوية بعنوان "عن التغيير الثوري"، والذي تناول حقوق العمال وتحدى بشكل جوهري الخطاب السياسي المعاصر وعملية صنع السياسات في ذلك الوقت. ويأمل فرنسيس أن يخلف تأثيراً مماثلاً اليوم، فيساعد في تحفيز العمل بشأن تغير المناخ. وهو يرجو بهذه الطريقة أن يتمكن العالم من تحقيق النمو المستدام القادر على تحسين أحوال الكثير من الفقراء، في حين يصون كوكب الأرض الذي تتوقف عليه حياتنا.

الواقع أن فرنسيس، الذي يبلغ من العمر 78 عاماً، كثيراً ما يتحدث عن الوقت المحدود الذي تبقى له. ويصلي أغلب الكاثوليك ألا تكون هذه هي الحال. ونظراً للتأثير الإيجابي الذي يستطيع أن يخلفه على العالم مثل هذا البابا صاحب الشخصية الشديدة الجاذبية والذي يتمتع بفكر تقدمي واضح، فينبغي لنا جميعاً أن نتقاسم هذا الأمل.

----------------------------------------------------------------------------

البارون كريس باتن: الرئيس السابق لحزب المحافظين البريطاني، ووزير في عهد مارغريت تاتشر، ومفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى توليه منصب آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ قبل إعادتها إلى السيادة الصينية عام 1997، ويشغل اليوم منصب رئيس جامعة أكسفورد الإنجليزية. كما ترأس لجنة استشارية لإصلاح الحقل الإعلامي في الفاتيكان، في عهد البابا فرنسيس، لخبرته السابقة كرئيس لمجلس إدارة "بي بي سي".