موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الثلاثاء، ٤ سبتمبر / أيلول ٢٠١٨
ذوو إعاقات أم احتياجات خاصّة؟

الدكتور نبيل قسطه :

شكل منتدى التعليم الدامج الأول (خلال الفترة 14 و15 آب 2018) في الأردن لعدد من الشخصيات الرسمية وأصحاب الاختصاص العاملين في التربية والتعليم فرصة للحديث وتبادل الأفكار والهواجس والخبرات والتصوُّرات لمستقبلٍ أفضل لأبنائنا وبناتنا والأجيال القادمة في البلدان العربية وخاصة من ذوي الاحتياجات الخاصة والتعليمية.

ولا شكّ أنّ جهود فريق عمل أكاديمية الأليانس في الأردن الكبيرة والمهنية أتت ثمارها في جمع هذا العدد من المختصين المحليين والعرب والاجانب. ولا بدّ هنا من أن نعبّر عن إعجابنا بالاهتمام الذي توليه المملكة لشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال المجلس الأعلى لشؤون ذوي الاعاقة الذي يرأسه الأمير مرعد بن رعد ومن خلال دعم وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة.

أوّلاً، الهدف على المدى البعيد: ثقافة احترام حقوق واحتياجات الآخر إنّ اللقاءات التي جمعت الناشطين في مجال التربية وأصحاب الاختصاص وواضعي السياسات وصانعي القرار، والأفكار التي تمّ تداولها شجّعتني لأتقدّم وأشارك مع القراء ومع المختصين في مجال التعليم والتربية في الأردن خواطر أتمنى أن تلقى صدى إيجابيًّا لاسيّما أنّنا كلّنا أمل أنّ التقدّم نحو الدمج سيستمرّ وستتحقّق إنجازات مفيدة للأطفال ذوي الصعوبات التعلمية (أو ذوو الاحتياجات التعلّمية الخاصّة Special Educational Needsكما هو متعارف الإشارة إليهم في بريطانيا وبعض البلدان في أوروبا)، وذوو الاحتياجات الخاصة besoins péciaux وهو المصطلح المُعتمد في فرنسا، أي الأطفال الذين نشير إليهم في مجتمعاتنا باستخدام مصطلحات غير علمية وذات آثار سلبية مثل «المعاق» أو المعوّق» أو «المتخلّف عقليًا» أو «المُقعد» إلخ.

إنّ الجهود التي يقوم بها العاملون في حقل التعليم لتصبح المدارس دامجة، ومن ثمّ ليصبح المجتمع دامجًا، تحتاج إلى ثقافة معيّنة لكي يُكتب لها أن تُثمر وبالتالي لتُفتح المجالات أمام الأطفال ذوي الاحتياجات التعلمية الخاصّة (أو أصحاب الهِمم «عبارة في طيّاتها بعضٌ من المبالغة» كما يشيرون إليهم في الإمارات أن يكملوا تعليمهم ويحصلوا على الشهادات التي تخوّلهم الالتحاق بسوق العمل.

إنّ الحاجة هي لإطلاق حملة توعية طويلة الأمد تتوجّه إلى المجتمع وبشكل خاص إلى كل مَن تقوده الظروف ليكون مع طفل (أو أطفال) ذوي احتياجات تعلّمية خاصّة، وللقيام بحملة تتوجّه للأطفال والشباب والكبار، والمعلمين والمعلمات، والموظفين في المدارس وإلى كلّ أب وأمّ لطفل ذي صعوبات يتحمّلون تسميات مُحبِطة ومهينة مثل «كسول/ة» أو «مش نافع» أو «فاشل». كما أنّ الحملة يجب أن تسعى لزرع الثقافة هذه بين العاملين في المؤسسات الخاصّة والرسمية التي تعنى بالأطفال على أمل أن يصبحوا سفراء لها، فتتغيّر النظرة السلبية للاحتياجات الخاصة وتنتشر ثقافة احترام الإنسان الذي يختلف عنّا مهما كانت الاختلافات (جسدية، ذهنية، فكرية، إلخ.). لا بل المطلوب هو أن يحضن المجتمع هؤلاء الأطفال المختلفين ويرعاهم ويبتعد كل الابتعاد عن تهميشهم، و/أو استعمال الفاظ و/أو القيام بتصرّفات مهينة بحقّهم.

ثانيًا: هدف على المدى القريب... تبنّي مصطلحات علميّة الهدف... الحلم هو انتشار ثقافة احترام حقوق وحاجات ذوي الصعوبات التعلّمية وذوي الاحتياجات الخاصّة، وتفعيل تشريعات تؤدي إلى عدم تهميشهم وتساعد على انخراطهم في المجتمع. ولقد خطت المملكة خطوات هامّة على هذا المسار من خلال التشريعات التي تنظم أسس قبول الطلبة في المؤسسات التربوية. في خضمّ السعي ليتحقق الدمج الذي بدأ منذ عقود في الدول المتقدّمة ومنذ سنوات قليلة في بعض البلدان النامية والبلدان العربية، علينا أن نحثّ الجهود من أجل تغيير الذهنية. فمن الضروري أن يكون هنالك «التذكير المتواصل» من خلال مختلف وسائط نشر المعلومات في أيامنا أي الانترنت والهاتف المحمول والتلفزيون والإذاعة والمنشورات...

أنّه علينا أن نحترم ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الصعوبات التعلّمية أولا في عقولنا وأفكارنا. إنّ التدريب على احترام من هم مختلفون، أساسه التقبّل الحقيقي فالاختلاف لا يخيف ولا ينتقص من كرامة الانسان وحقه في العيش الكريم. إنّه يتطلب الاحترام الذي لا يشوبه أي نوع من التعصّب أو العرقية أو ما شابه لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الصعوبات التعلمية والتصرّف معهم بعيدًا عن التمييز، لا سيما السلبي منه، والابتعاد عن التسميات ذات دلالة سلبية والسخرية والامتناع عن الوصم (وعن التعميم).

إذا أراد مجتمعًا أن ينتقل بسرعة من واقع التهميش لذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الصعوبات التعلمية عليه أن يجتهد ويتعلّم المفاهيم والمصطلحات التي يتّفق الخبراء والباحثون عالميًا على أنها لا تحمل أية معانٍ أو تلميحات سلبية و/أو مهينة للإنسان ويستخدمها بانتظام. كما أنه على المجتمع أن يجتهد ويتوصّل إلى استخدام المصطلحات في محلّها من دون تصرُّف كتبديل حرف أو استبدال مفرد بآخر لأنه أسهل. بمعنى آخر على المجتمع أن يكون دقيقًا ليحفظ أخيه الإنسان من تداعيات الوصم والتعميم. وبالتالي، الحاجة هي ليتعاون المجتمع وليسعى المؤثرون من أجل تفعيل حملة توعية، أوّل ما يجب أن تحققه هو الابتعاد عن استخدام مصطلح «معاق» أو «معوّق» ومثيلاتهما. ولا شكّ أنّ خطوة كالتي أطلقناها عام 2013 في لبنان، أي تحديد يوم 22 نيسان ليكون اليوم الوطني للتلامذة ذوي الصعوبات التعلّمية، والحصول على تعاون ودعم المؤسسات الحكومية والخاصة، الإعلامية والتربوية، هي خير خطوة فعالة في هذا الاتجاه.

ثالثًا: معجم مصطلحات جديد... كخطوة أولى، ندعو إلى أن نتقيّد بالإصدار الأخير للمرجع الرئيسي في مجال علم النّفس والتربية المختصّة والاختصاصات ذات صلة كعلاج النطق، أي النسخة الخامسة للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية التي صدرت عام 2013 والتي نجد فيها أنّ الصعوبات التعلمية تندرج تحت باب الاضطرابات العصبية النمائية، وهي تشمل التخلف العقلي/الذهني (اضطراب النمو العقلي)، واضطرابات التواصل، واضطراب اللغة، كالتأتأة، واضطراب طيف التوحّد، واضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة، واضطرابات التعلّم المحدّدة مثل عسر القراءة والكتابة، والاضطرابات الحركية. هذا ومن المفيد أيضًا أن نطّلع على التعريف الدولي لمصطلح disability، بحسب تقرير الأونيسكو الصادر عام 2013.

يختلف تعريف المصطلح في البلدان المتقدّمة والبلدان النامية وفي البلدان العربية، ويأتي التعريف في القانون 2000/220 في لبنان مفيدًا لأنه يتضمّن تعريفًا يشمل عناصر من التعريفات في الغرب الشاملة وتلك الأكثر تحديدًا في البلدان النامية، فجاء التعريف متأثرًا بتعريف منظّمة الصحة العالمية، وينصُّ البند الثاني من القانون على ما يلي: «المعوق هو الشخص الذي تدنت أو انعدمت قدرته على ممارسة نشاط حياتي هام واحد أو أكثر، أو تأمين مستلزمات حياته الشخصية بمفرده، أو المشاركة في النشاطات الاجتماعية على قدم المساواة مع الآخرين، أو ضمان حياة شخصية أو اجتماعية طبيعية بحسب معايير مجتمعه السائدة، وذلك بسبب فقدان أو تقصير وظيفي بدني أو حسي أو ذهني، كلي أو جزئي، دائم أو مؤقت، ناتج عن اعتلال بالولادة، أو مكتسب، أو عن حالة مرضية دامت أكثر مما ينبغي لها طبيًا أن تدوم. ومع أنّ هذا التعريف للمصطلح disability في القانون اللبناني يتميّز بالوضوح والموضوعية والبعد عن أي معنى سلبي، فإنّ التفضيل يبقى لتبنّي المقاربة التي يتضمنها الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، أي الاشارة إلى الصعوبات التعلمية على أنّها إما اضطراب أو قصور أو عسر. وقد نشير إلى الصعوبات التعلّمية البحتة مستخدمين مصطلح الصعوبات التعلّمية المحدّدة (specific learning disabilities)، أو قد نتبنّى خيار بعض البلدان الأوروبية، وهو مخرج صائب، فنستعمل إذ ذاك مصطلح الاحتياجات التعلّمية الخاصة ونترك المصطلح الاحتياجات الخاصّة (special needs)ليحلّ مكان مصطلحات فيها مفردات ذات دلالة سلبية كـمعوّق وإعاقة.

تعود الصعوبات التعلّمية إلى اضطراب وظيفي عصبي المنشأ يؤثّر في قدرة الدماغ على استقبال ومعالجة وتخزين المعلومات والتجاوب معها، وقد تشير إلى مجموعة غير متجانسة من الصعوبات في السمع و/أو التحدّث و/أو القراءة و/أو الكتابة و/أو التفكير و/أو الرياضيات و/أو المهارات الاجتماعية. وحريٌّ أن يعرف الجميع أنّ ذوي الطاقات التعلّمية المختلفة قد يعانون احتياجاتٍ خاصّةً أخرى، أو قد يكونون من المتميّزين ويبرعون في مجالات ومواهب معيّنة.

إنّ معاناة ذوي الصعوبات التعلمية أينما تواجدوا لا متناهية وواقعهم يدفعهم دائمًا إلى الإحساس بالفشل والانطواء والشعور بالعزلة وردود الفعل السلبية مثل: فقدان الثقة، الشك بالنفس واستصغار الذات؛ الحساسية المطلقة والشديدة؛ الغياب المتواصل عن المدرسة؛ عدم التواصل وعدم الرغبة في المشاركة في النشاطات. ينبغي للمربّين وأصحاب الاختصاص كالمعلّمين النفسيين أو معالجي النطق أو المتخصصين في التربية المختصّة، بالإضافة إلى صانعي القرار، العمل الدؤوب على تخفيف معاناة هذه الفئة من المجتمع.

وكي يُكتب لهذا المسار أن يكتمل، نشجّع المدارس على مبادرات من النوع التالي: تثقيف الأساتذة والإداريين حول حقوق وحاجات ذوي الاحتياجات الخاصة؛ تبنّي مسار كامل ومتكامل يؤدي إلى دمج فعلي منذ المراحل الدراسية الأولى؛ وضع برنامج تعليمي فردي لكل تلميذ وتقويمه دوريًّا (كل سنة أو سنتين)؛ حصر عملية التشخيص باختصاصيّين في استخدام وسائل الاختبار المعتمدة دوليًّا والمُقونَنَة. ونحن فخورون ومسرورون لوجود مبادرات كالتي تقوم بها أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلّمين، المؤسّسة التي أثبتت أنّها السبّاقة في مجال بناء قدرات ومهارات المعلمين، وسوف تقدّم بالتعاون مع مركز سكيلد ورشة تدريبية متخصّصة حول الاضطرابات التعلمية (www.skild-edu.org) في أيام 1 و3 و4 تشرين الثاني 2018، وتركّز الدورة على موضوع عسر القراءة والكتابة. وأخيرًا وليس آخرًا، ندعو القطاعين العام والخاص ونلحُّ عليهما المباشرة فوراً بحملة توعية طويلة الأمد حتى يفهم ويقتنع المجتمع أنّ هؤلاء ليس بهم مرض، وبإمكانهم الاندماج في المجتمع.

(الرأي)