موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الأربعاء، ٢٢ يونيو / حزيران ٢٠١٦
دولة القانون تكفل احترام التعايش الديني في الأردن

بسام البدارين :

يترك الجميع البعد العنيف والجنائي في المسألة ويحصل تركيز شديد على طبيعة المكان وهو كنيسة تجرأ بعض الأشقياء في مدينة الزرقاء الاردنية على مهاجمتها بالحجارة بعدما تصادف وجودها في مكان مشاجرة.

الحادث اثار اللغط والجدل في الاردن.. رجال الدين المسيحي قلقوا والفيسبوك اشتعل والسلطات بدأت تفكر باي طريقة لإعادة الاعتبار لفكرة التعايش الديني رغم انها فكرة غير خاضعة للنقاش في عمق وصلب المجتمع الاردني وعابرة لكل النظريات والتحليلات في الواقع.

لا يمكن تكريس مبادئ وأسس التعايش الديني بمعزل عن الاصلاح السياسي الحقيقي وسياسات الانصاف والمصالحة والعدالة الاجتماعية.

لا يحتاج المجتمع الاردني لما يسمى بالتعايش الديني بقدر حاجة الاردنيين جميعا لدولة القانون والمؤسسات ومنهجية المواطنة.

بدولة القانون فقط يعرف من رجم كنيسة بحجر انه ارتكب جريمة يدينها الناس والمجتمع قبل القانون.

وبدولة المؤسسات فقط لا يحتاج رجل دين اسلامي لحضور جنازة رجل دين مسيحي ولا لأكياس انيقة باسم الكنيسة توزع لحظة الافطار على الاشارات الضوئية لكي تثبت هذه الكنيسة للمسلمين بانها تحترم التعايش معهم.

بدولة القانون والمؤسسات لا يحتاج رجل فاضل من طراز الاب رفعت بدر لمطالبة الشبان المسلمين في مدينة الزرقاء بتنظيف مقر الكنيسة من الحجارة التي ألقاها زعران وأشقياء وهم يطاردون شابا مسلما احتمى بجدران الكنيسة.

القانون فقط يعاقب من يلقي حجرا بصرف النظر عن دينه او اصله او منبته والمحكمة هي التي ينبغي ان تلزم من اعتدى على جدران الكنيسة بصيانة المكان والاعتذار وبالتكلف بغرامة مالية وبسجن من يعتدي فعلا بصرف النظر عن مبرراته لأن خدش حجر لجدار في اي كنيسة هو اعتداء على قلب كل مواطن اردني وعلى مستقبل جميع الاطفال مسيحيين ومسلمين.

القانون وحده كفيل بمواجهة اي فرد ومن اي قبيلة او عشيرة او طائفة يفكر لحظة باستخدام يديه خلافا للقانون لتحصيل حقوقه.

القبيلة والعشيرة والمسجد والكنيسة مواقع محترمة جدا في البنية الاجتماعية الاردنية ولها دور ايجابي لكنها ينبغي ان لا تكون بديلة عن القانون ولا عن دولة المؤسسات ولا عن منهجية المواطنة وكل المبادرات النبيلة التي تخرج باسم رجال الدين المسيحي والاسلامي تحت عنوان التعايش الديني مقدرة ومحترمة لكنها لا تكفي لمعالجة مظاهر العنف التي لا تميز عندما تبرز العصبية الطائفية والعشائرية وتعتقد انها تسمو على القانون.

ما يكفي فعلا هو التعامل بجدية مع متطلبات القانون والتعاطي بصرامة مع كل مخالفة قانونية بصرف النظر عن من يرتكبها واين يرتكبها فالفرصة اصبحت متاحة لكل انماط الاعتداء على الدولة والقانون والاعتداء على الآخر وترويج ثقافة الكراهية.

ومع تقديرنا الشديد لكل دعاة التعايش الديني الذين نجلهم ونحترمهم لا بد من العودة للأشياء كما هي بالحقيقة والقول بان القانون الذي ينبغي ان يسمو على غيره هو قانون المواطنة بحيث يفهم من يعتدي عليها بصرف النظر عن دوافعه بان الكلفة غالية وبان يد العدالة مباشرة ستطاله حيث لا مجال بعد الآن للمراوغة والاسترسال في التواطؤ واختراع مصطلحات توحي بان الشعب برمته منفلت او في طريقه للانفلات.

مشهد الرجل العاري من نصف ملابسه وهو يحمل سكينا ضخما يستخدم بقطع الاخشاب ويصرخ في الشارع ثم يرجم الكنيسة بالحجارة مشهد مؤذ جدا للمسلمين قبل المسيحيين ووحده القانون ينبغي ان يواجه مثل هذا السلوك بدلا من تحويله إلى مسألة عرضية يمكن نقاشها بين رجال الدين او وجهاء او قادة العشائر والقبائل.

قصة كنيسة الزرقاء بعيدة كل البعد عن التعايش الديني وعن المكان الذي تم الاعتداء عليه، فالدوافع جنائية والخلفية لها علاقة بتلك العصبية العبيطة التي تعتقد انها تستطيع تجاوز القانون في لحظات الغضب فقبل الاعتداء على الكنيسة وفي نفس مدينة الزرقاء قتل رجل محترم بريء بعد مشاجرة بين صبية وفتيان صغار وكانت ردة الفعل على طريقة حرق بيت القاتل ثم مهاجمته بالجرافة.

يتواطأ الجميع في بلادي عندما يتعلق الامر بتلك الانفعالات العصبية المقيتة التي يمكنها ان تدفع اي اردني وفي اي وقت للاعتقاد بانه يستطيع ان يفعل ما يريد فالاعتداء على الكنيسة حصل تماما بعد مشاجرة بين عابر سبيل وبائع بسطة تحرش بفتاة ترافق عابر السبيل فتجمعت قبيلة باعة البسطات وهم متنوعون بالمناسبة في الاصل والمنبت، وهاجمت سيارة الرجل وتم قلبها رأسا على عقب قبل استخدام الحجارة في الهجوم على مقر الكنيسة وهي بالمناسبة كنيسة لها الفضل في تربية وتنشئة العشرات من اعضاء النخبة المسلمين في الاردن ومن الكفاءات الكبيرة.

الحادث مقيت والاعتداء جريمة لكن مثل هذه الجرائم ترتكب يوميا على نحو او آخر، ونغمة واسطوانة التعايش الديني والوحدة الوطنية لم تعد تكفي لمواجهة ثقة بعض المنحرفين بانهم يستطيعون تجاهل القانون والتصرف بأيديهم في الشارع، وهي ثقة تنتج بسبب النظام الاجتماعي البائس الذي يسمح بالواسطات وبسبب عدم وجود تشريعات حقيقية رادعة تؤدي إلى تكلفة من يتجرأ على الاعتداء على الآخرين وأملاكهم.

لا بل ان الاردنيين وللأسف الشديد في بعض المواقع والساحات يقومون بحرق مراكزهم الطبية ومجالسهم البلدية وغرف محاكمهم تحت مبرر سقيم باسم الغضب وهو مبرر سرعان ما تداهمه السلطة وترفض مواجهته لأنها في بعض المفاصل مثل بعض التجمعات السكانية والقبيلة تعبث بالقانون اكثر بكثير من احترامها له.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»