موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢٧ مايو / أيار ٢٠١٦
دفاعاً عن الأدب

د. صلاح جرّار :

قد يرى بعض الناس أن لا حاجة لنا بالأدب، لأنه أمر زائد عن الحاجة وأنه شكل من أشكال الرفاهية ، التي يمكن الاستغناء عنها، وأن التنكر له أولى بنا ، ولا سيما في هذا الزمن الذي ينصرف فيه الناس إلى الصناعة والتجارة والتكنولوجيا والطب والاقتصاد والإعلام. ولذلك فإننا نجد أن المنشغلين بالأدب إبداعا أو بحثا يتعرضون في بلداننا وفي زمننا للإقصاء والتهميش ولم يعد لهم سوق أو أولوية في أذهان كثير من أولي الأمر. والواقع أن الأمر على خلاف ما يظن هؤلاء الظانون، فازدهار الأدب كان دائما وما زال مقترنا بالازدهار الحضاري والعلمي ومؤشرا عليه وعلامة من العلامات الدالة عليه، وتكفي الإشارة في ذلك إلى العصر العباسي وإلى أيام الحكم العربي في الأندلس؛ فقد كان الأدب في أوج ازدهاره كما كان المشهد العلمي والحضاري.

وما زال العالم المتحضر إلى يومنا هذا يرى في الأدب ضرورة إنسانية وحضارية، ولذلك أطلقوا على المعارف المتصلة بأي موضوع من موضوعات العلوم اسم الأدبيات، بالنظر إلى أن الأدب هو أصل العلوم والمعارف وجماع أمرها.

ولا بد من الإشارة إلى أن كلمة الأدب في معناها اللغوي الأصلي في العربية لا تقتصر على الشعر والقصة ، بل كانت عند قدماء العرب وما زالت عند معاصري الأمم المتحضرة تشمل المعارف كلها من حكمة وفلسفة وأمثال ورسائل وخطب وصايا ومجاوبات ومناظرات ومحاورات وتوقيعات وأشعار وقصص وأخبار ولغات وعلوم ومعارف ، ولذلك سميت مؤلفات الجاحظ وأبي حيان التوحيدي والتنوخي وابن عبد ربه وإخوان الصفا وابن قتيبة وسواهم كتب أدب، وإن كانت موضوعاتها في الحيوان والبخلاء والصداقة والعشق والفلسفة واللغة والنقد الأدبي وعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم الكلام والمنطق وغير ذلك.

إن تكامل العلوم وتضافر المعارف في نهضة الأمم وبناء حضاراتها أمر لا مناص منه ، وضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، فلكل باب من أبواب المعرفة دوره في البناء الحضاري تماما كأعضاء الجسم البشري تتكامل في أدوارها وإن اختلف دور كل منها عن أدوار الأعضاء الأخرى؛ فللهندسة دورها وللطب دوره وللإدارة دورها، وكذلك الفيزياء والكيمياء والقانون والإدارة والتاريخ والجغرافيا والأدب واللغة والفنون، كل له دوره الذي يناسبه في النهوض الحضاري وفي خدمة الإنسان في جسمه وعقله ونفسه وروحه وراحته ورفاهيته وأمنه واستقراره وسائر احتياجاته في الحياة.

وللأدب دور كبير في خدمة الإنسان وبناء وعيه وتوسيع مداركه وآفاق فكره ورؤاه، وفي إغناء عواطفه وانفعالاته وآماله وأحلامه وتطلعاته ، وأن الاستغناء عنه في أي زمان أو مكان هو شكل من أشكال تقويض البناء المتكامل للمجتمع.

(نقلاً عن جريدة الرأي الأردنية)