موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٦ أغسطس / آب ٢٠١٩
خمس سنوات على تهجير أكثر من 120 ألف مواطن مسيحي في سهل نينوى

الفاتيكان نيوز :

ليل 6 من شهر آب من العام 2014 أجبر أكثر من 120 ألف مواطن مسيحي في سهل نينوى على ترك مدنهم وبلداتهم بسبب اجتياح المنطقة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. اليوم وبعد مرور خمس سنوات على هذه الأحداث الأليمة عادت الكنيسة الكلدانية العراقية لتطالب الجماعة الدولية بمزيد من الالتزام في عملية إعادة إعمار المناطق التي دمرها التنظيم الإرهابي.

خلال كانون الأول من العام 2016 ومطلع العام 2017 تمكن الجيش النظامي العراقي من بسط سيطرته على سهل نينوى وبدأ النازحون بالعودة إلى ديارهم خلال فصل الخريف لعامين خليا. وأثناء ثلاث سنوات ونيّف من التهجير القسري وجد عدد كبير من المسيحيين ملجأ لهم في كوردستان العراق، في وقت غادرت فيه آلاف العائلات البلاد، ما أدى إلى تراجع مأساوي في عدد المسيحيين في هذا البلد العربي حيث كان يعيش حوالي مليون وأربعمائة ألف مواطن مسيحي قبل العام 2003 تاريخ الغزو الأمريكي للعراق، أما اليوم فيبلغ عدد المسيحيين أقل من مائتين وخمسين ألف نسمة.

وخلال الأشهر نفسها من صيف العام 2014 استُهدفت أيضًا جماعة الأيزيديين من قبل مجاهدي تنظيم الدولة الإسلامية. وأسفرت أعمال العنف عن مقتل أو فقدان حوالي تسعة آلاف شخص، وعلى الرغم من مرور خمس سنوات ما يزال مصيرُ ثلاثة آلاف من الأيزيديين مجهولاً لغاية اليوم. وكانت الأيزيدية ناديا مراد التي نجت من الأعمال الهمجية ونالت جائزة نوبل للسلام العام الماضي قد غرّدت تويترياً وكتبت: "إن آلاف الأيزيديين الأبرياء قُتلوا واستُعبد آلاف غيرهم، ويصل عدد المفقودين اليوم إلى ثلاثة آلاف شخص. لقد فقدنا كل شيء لكننا لم نستسلم. إن الأيزيديين هم أقوى من أيديولوجية داعش الشريرة التي تريد القضاء علينا".

في غضون ذلك وبفضل دعم هيئة مساعدة الكنيسة المتألمة وعدد من الدول الغربية تتواصل اليوم عمليات إعادة إعمار القرى المسيحية المهدّمة في سهل نينوى. وتشير المعطيات إلى عودة ما لا يقل عن ستة وأربعين بالمائة من العائلات المهجرة، والتي تعد أكثر من واحد وأربعين ألف شخص. وتمت لغاية اليوم إعادة إعمار ستة آلاف وسبعمائة مسكن من أصل أربعة عشر ألف مبنى كانوا قد هُدّموا كلياً أو جزئياً. أما في الموصل فعادت الحياة إلى طبيعتها لكن عشرات المسيحيين فقط عادوا إلى المدينة لغاية اليوم والتي كان يقطنها قرابة خمسة عشر ألف مسيحي قبل وصول داعش إليها في صيف العام 2014.

وبغية الحصول على مزيد من المعلومات بشأن عمليات إعادة الإعمار في سهل نينوى وأوضاع المسيحيين هناك أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع الكاهن بولس تابت مكّو من قرية كرمليس الذي أكد أنه يتذكّر الارتباك الذي كان سائدا في المنطقة لخمس سنوات خلت لأن السكان لم يكونوا على علم بما يمكن أن يحدث. وأضاف قائلا: لقد طُردنا وتركنا المنطقة، وأجبرنا على الهروب إلى كردستان، حيث أمضينا مدة ثلاث أو أربع سنوات. ولفت إلى وجود تحديات كبيرة اليوم شأن المشاكل المرتبطة بالميليشيات وحواجز التفتيش المتواجدة على طول الطريق بين الموصل وإربيل. واعتبر أن كل هذه المشاكل تلقي بظلالها على المواطنين وتولّد القلق في نفوس المسيحيين الذين ينتظرون ماذا سيحدث، ومتى سيوجد حلّ لهذه القضايا الأمنية.

وفي رد على سؤال بشأن التزام هيئة مساعدة الكنيسة المتألمة والمجتمع الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عمليات إعادة الإعمار قال الكاهن الكلداني إن هذه العملية حققت اليوم نسبة أربعين بالمائة من أهدافها المتعلقة بترميم المنازل والكنائس، وما تزال آثار الدمار ظاهرة بصورة جلية. وهناك المنازل المهجورة التي تؤثر سلبا على معنويات السكان، خصوصا أولئك المقيمين إلى جانب منزل مهدّم أو محروق. وعبر عن أمله بأن تتمكن المنطقة من استضافة المزيد من المواطنين المسيحيين الراغبين في العودة إلى ديارهم مشدداً على ضرورة الانتهاء من إعادة ترميم جميع المنازل والبنى التحتية والمباني العامة، كي توفّر الأجواء الملائمة من أجل عودة الراغبين في ذلك.

بعدها لفت الكاهن بولس تابت مكّو إلى أن عملية إعادة الإعمار مهمة من أجل الدفاع عن وجود المسيحيين في المنطقة وبقائهم في أرضهم، أي سهل نينوى. من هذا المنطلق، مضى إلى القول، ترمي هذه الأعمال إلى تعزيز حضور الجماعة المسيحية وحمايتهم ومساعدتها على الاستمرار كي يتمكن المسيحيون من تقديم إسهامهم في المجتمع، مع العلم أن البقاء في تلك الأرض هو حقّ من حقوقهم الأساسية.

وفي سياق حديثه عما تطلبه الكنيسة الكلدانية اليوم من الحكومة العراقية قال الكاهن الكلداني: إننا ننتظر حلاً ونريد عراقاً يتمتع فيه جميع أبنائه بالمساواة، وينعمون بالحقوق نفسها، ولا يوجد في البلاد مواطنون من الفئة الثانية. وشدد على ضرورة إيجاد حلول للمشاكل المرتبطة بالعمل والوقوف في وجه المخططات الهادفة إلى إحداث تغيير ديمغرافي على الأرض. وختم قائلا إن الجماعة الدولية والحكومات والكنائس تقف معنا، لكن يتعين علينا العمل على تفعيل دورنا في المجتمع.