موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٣٠ يونيو / حزيران ٢٠١٥
حول محاولات إفراغ القدس من ملح الأرض

أسامة الرنتيسي :

نقلاً عن "العرب اليوم" الأردنية

حتى لو كانت جهات مشبوهة، قد تكون اسرائيلية ومجموعة من الطابور الخامس، يسعون لاشعال فتنة في مدينة القدس التي تتعرض للتهويد يوميا، وراء اصدار بيان باسم داعش يدعو الى "تطهير" الأحياء الاسلامية في القدس من المسيحيين خلال شهر رمضان. وانه سيبدأ بحي شعفاط وصولا الى البلدة القديمة وكنيسة القيامة. فإن هذا البيان هو استكمال للمشروع الاسرائيلي الذي تعمل عليه منذ عشرات السنين لتفريغ القدس من المسيحيين، وقد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق ذلك.

تحت عنوان داعش، وسلوك عصابتها، يلقى هذا البيان رواجا منقطع النظير، لانه يتحدث بخطابهم، ويؤكد ممارساتهم، ويمهل على طريقة داعش من سماهم "النصارى الكفرة" طوال شهر رمضان "للرحيل" عن القدس مهددا اياهم اذا لم يفعلوا ذلك "بالذبح مع اشراقة عيد الفطر".

البيان المزعوم تم توزيعه في القدس الشرقية ويعتقد من صيغة البيان حيث عُنون بـ"الدولة الاسلامية بالعراق والشام" وهو المسمى غير المستخدم منذ فترة بعيدة بعد اطلاق اسم الدولة الاسلامية على "داعش".

الرد الحاسم على البيان المزعوم جاء من البطريرك ميشيل صباح حيث قال: اذا كان هذا تهديدا حقيقيا من قبل من يريدون تسميتهم بداعش فأهلًا وسهلًا، نحن باقون على ارضنا ولا نخاف ولا نريد حماية من أحد، أما اذا كان قصد هذا البيان تغطية العمل الاجرامي في الطابغة، وهو كلام مردود على من وراءه من جهات كانت من تكون الى جميع أبناء شعبنا المسيحي والمسلم، لا تضطربوا ولا تتبعوا الفتنة.

في حالة هذا البيان الخطير حتى لو كان مزعوما، فإن السكوت غير مبرر على الاطلاق، وكان على جماعة الاخوان المسلمين تحديدا ان تصدر بيانا تدين فيه هذه الجريمة لمجرد التفكير بها، وتؤكد على لحمة المدينة المقدسة بالمسلمين والمسيحيين، وأن تفريغها جريمة لا تغتفر.

صحيح انه لا توجد ثارات بين تنظيم القاعدة وتفريخاتها الكثيرة، وآخرها "داعش" والكيان الاسرائيلي، لكن التطورات التي وقعت في العراق منحت نتنياهو والقيادة المتطرفة في اسرائيل الفرصة لتعزيز مواقفهم من التمسك بحق جيش الاحتلال في الانتشار عند الحدود الفلسطينية الأردنية.

داعش وضعت من دون أن تدري ـــ حتى لا نلجأ لعقلية المؤامرة التي تقول ان القاعدة وداعش… صناعة اميركية اسرائيلية في مختبرات استخبارية عربية ـــ بيد إسرائيل عدة ذرائع للتمسك بتعنتها في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، وعلى رأس اهدافها "الدولة اليهودية":

أولها؛ التطورات المتسارعة في العراق وانهيار الجيش العراقي من دون قتال في الموصل ومناطق واسعة اخرى، وانسحاب الجيش السوري من تدمر.

والثانية؛ الخريطة التي وزعتها "داعش" ترسم فيها حدود الدولة الإسلامية في العراق والشام، او دولة الخلافة قبل ان يتم شطب العراق والشام بجرة قلم وقد شملت فلسطين التاريخية، بما في ذلك إسرائيل الحالية.

والثالثة؛ التظاهرة الضعيفة التي انطلقت جنوب رفح الفلسطينية تأييدا لداعش وانتصاراتها في العراق.

اثبتت المسارات التاريخية لاحداث عديدة، أن القوى الظلامية المتطرفة برغم اختلاف ايدولوجياتها، قد تلتقي في الاهداف والمصالح، من دون ان يكون بينها اي اتفاقات مسبقة.

داعش تتطلع الى اثارة حروب وثارات محلية مهمتها تفكيك الحكم المحلي واعاقة التطور نحو المركزية في الدول المستهدفة، وهذا يخدم المخطط الاسرائيلي الذي اشتغلت عليه كثيرا من خلال مخابراتها، من دون ان يكون هناك اتفاق مسبق بينهما.

مناصرو النظام السوري يؤشرون دائما على الاحداث التي وقعت في جنوب سورية والمناطق المحاذية للقنيطرة تحديدا، كيف حصل حسن الجوار بين التنظيمات المتطرفة واسرائيل، حتى وصل الامر الى معالجة جرحاهم في المستشفيات الاسرائيلية، ما يؤكد ان هناك مصلحة لاسرائيل في تفكيك سورية مثلما لها مصلحة في تفكيك العراق.

فتح الحديث عن تفريغ القدس من "ملح الارض" المسيحيين العرب، هذا هو صلب المشروع الصهيوني، التي فشلت المحاولات الاسرائيلية كلها، في تحقيقه، وداعش آخر المحاولات الفاشلة.