موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٧ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
حوار مع مطران الجليل للروم الكاثوليك بمناسبة الأعياد الميلادية المجيدة

التقاه في الناصرة زياد شليوط :

فيما يلي النص الكامل للمقابلة التي أجراها السيد زياد شليوط، لصحيفة "الصنارة" النصراوية، مع المطران يوسف متى، متروبوليت عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل للروم الملكيين الكاثوليك، بمناسبة الأعياد الميلادية المجيدة:

■ يعتبر عيد الميلاد المجيد من أهم الأعياد المسيحية، ما هي أهمية هذا العيد، ولماذا هذا الاهتمام الكبير به على أكثر من صعيد، دينيًا، اجتماعيًا وحتى سياسيًا؟

هو عيد مولد رب المجد يسوع المسيح، له المجد، رئيس السلام، كلمة الله المتجسدة، بهذا المعنى أخذ الله صورة جسد ليصبح انسانا وسكن بيننا. هذا عيد ولادة الانسان من جديد، المخلوق على صوة الله، بعدما كان في الخطيئة والضعف التي كسر فيها العلاقة مع الله تعالى، والله أعاد العلاقة عندما صار مثلنا. دينيا هو عيد المصالحة مع الله تعالى، كما قال بولس الرسول "وبعد أن كنا أمواتا في الخطيئة، صالحنا الله بيسوع المسيح اذ أسلمه عنا ليصلب". وهو عيد فرح وهذا يثبت أنشودة الملائكة التي ظهرت وقت ميلاد السيد المسيح "المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة". هو من الأعياد الكبرى لأنته عيد التجسد.

اجتماعيًا هو لقاء الأخوة في العائلة الواحدة على مائدة العيد ليعيشوا فرح المسيح، العائلة المقدسة رمز وعنوان لكل عائلاتنا ليس المسيحية فقط انما الانسانية، فيها المشاركة والمحبة والعطاء والمسامحة، عيد المغفرة. اللقاء والفرح رأيناه في المواسم والاحتفالات في الرعايا غير المسيحية بهذه اللّمة العائلية. سياسيًا يعطينا العيد بعض الرموز. طفل المغارة جاء ليزرع الأمل في حياة الانسان وجاء لكل انسان، لكن نرى في حدث الميلاد الألم والسلطة كيف تتصرف، هيرودس قتل الأطفال لمصلحته الخاصة. الميلاد يوجهنا لأن نكون في خدمة الانسان أيا كان. مسؤولية المؤسسات في منح حقوق للانسان، لأنهم هم مؤتمنون على هذه الحياة، وعليهم أن يقوموا بخدمته بالشكل الصحيح.

■ تحل الأعياد الميلادية في هذا العام في ظروف غير اعتيادية للأسف، ونطلب تعليقكم على كل ظاهرة، ونبدأ بآفة العنف والاجرام التي تضرب مجتمعنا العربي وتهلك طاقاته؟

يأتي العيد في ظروف صعبة، على مجتمعنا العربي عامة ورعايانا بشكل خاص. ظاهرة العنف المستشري والتعدي على حياة الانسان، وعلى الرموز الدينية، تلك أمور لم نعهدها من قبل، وهذا يتطلب منا التوعية والتربية الصحيحة لأولادنا. العيد يعطينا بعض الأخلاق والمباديء الانسانية كي نتبناها في مجتمعنا. هذا العيد هو الأخلاق، التعامل الحسن، يجمع بالفرح كل أبناء البلد، يعطينا التوجيه لنكون انسانيين نتعامل مع بعضنا البعض كأناس لهم حقوق وعليهم واجبات في الحفاظ على النسيج الشعبي، الاجتماعي، الديني، فكلنا من أب واحد هو الله الواحد الأحد.

للأسف لقد ابتعدنا عن العلاقة الصحيحة مع الله، التي يدعو لها كل دين. انغماسنا في عالم اليوم الاستهلاكي، وفي التقنيات الحديثة، أفقدنا هويتنا الانسانية. وهذا سبب مباشر لكل الآفة التي نعاني منها اليوم. رجوعنا الى الله تعالى، يعطينا القوة لنتحدى ونقف أمام الآفات، التي تفرقنا وتسلب حياة أعزاء علينا.

■ في ظل التضييق على اخوتنا المسيحيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة قطاع غزة، مما يؤثر على وضعهم المعيشي ويساهم في هجرتهم من بلدهم!

العيد في بيت لحم مدينة ميلاد السيد المسيح، له المجد، والتي يجب أن تكون مدينة السلام لأن رئيس السلام ولد فيها، تعيش ضائقة وهذا ناتج عن السياسة المحلية والخارجية العالمية. كي تكون فعلا مدينة السلام، يجب أن نرجع للقوانين العالمية التي تقول أن مدينة بيت لحم والقدس هي لكل الأديان، ويجب أن تكون منطقة محايدة ذات سلطة دولية. نرى فيها الشعب الذي يعيش في ضائقة في كل المناطق الفلسطينية. من طرفنا ندعو الله أن يعطينا الحكمة والقوة للعمل على التخفيف من الصعوبات لأنهم اخوتنا أولا في الانسانية وثانيا في المسيحية، ونطلب من المسؤولين فلسطينيين أو اسرائيليين أن يقوموا بما يحتمه ضمير المسؤولية وأن يعملوا على زرع الفرح، ليس فقط في أيام العيد، انما كل أيام السنة، لتكون كل الأرض المقدسة، علامة سلام وفرح وبشارة لكل العالم أجمع.

■ في ظل هجرة مستمرة ومتصاعدة لمسيحيي المشرق خاصة من سوريا والعراق، نتيجة الاعتداءات على بيوتهم ومقدساتهم وحرماتهم من قبل المتطرفين ومن يدعمهم؟

الكنيسة في كل العالم أم ومعلمة، أم تحتضن العديد من النفوس، ومعلمة لأنها توجه للقيم الانسانية والدينية. ما يعاني منه اخوتنا المسيحيون في الدول المجاورة، وغيرهم من أبناء الديانات، يدخل فيما يسمى الترتيب العالمي الجديد، والسؤال من وضع ذاك الترتيب وبأي حق يتم، لأناس يطلبون العيش بكرامة تحت نظام يقدم الحقوق لكل انسان بغض النظر عن انتمائه الديني، الجنسي، العرقي. وهذا هو الألم الذي عانينا منه نحن أيضا فيما مضى من سنوات، عشنا فيها التهجير والهدم لقرانا وبيوتنا، واليوم هم يتعرضون له للأسف.

■ هناك مظاهر احتفالية مبالغ بها ترافق العيد، مثل اضاءة الشجرة ومواكب بابا نويل الصارخة، ما هو منظوركم لتلك الظاهرة وما العمل في سبيل اصلاح ما اعوجّ من سلوكياتنا المسيحية؟

عيد الميلاد بالأساس، عيد السيد المسيح، له المجد. عيد كلمة الله وروح من الله ألقاها إلى مريم كما جاء في القرآن الكريم. مبدأ العيد هو فرح، أمل جديد، ولولا ميلاد المسيح لما كان هناك اضاءة شجرة ولا سوق ميلاد ولا مسيرة وغيرها من المظاهر الاستهلاكية الخارجية. نعم نحن بحاجة للفرح، لأن نكون معا، وعلى مائدة واحدة، لكن بدون أن يولد السيد المسيح، رئيس السلام في قلوبنا وبيوتنا أولا، سيقتصر الميلاد على الطعام والشراب والمشتريات، بدون أي مضمون روحي حقيقي، وهذا لا يعني ميلاد الانسان في فكره، طريقة تعامله مع الآخرين، علاقته مع كنيسته ومجتمعه، انتمائه الحقيقي.

لكي نتعامل مع هذه السلوكيات، يجب أن نبدأ بالتربية أولا في العائلة، والتي يجب أن نعمل على تنشئتها، من خلال محاضرات ولقاءات قبل وبعد الزواج. بعدها يأتي دور المدرسة في تقديم دروس دينية، أخلاقية. ثم الكنيسة التي تجمع المؤمنين كأم ومعلمة، فتعطي المعاني الروحية والأخلاقية والانسانية ، ومن هنا يبدأ التغيير. لسنا ضد أي عمل يعتاش منه الآخرون، انما نطلب أن يعطى الاحترام لهذه الرموز الدينية بشكل صحيح.

■ يحل العيد في ظل تواصل عدم توحيد الأعياد، مما يخلق حالة من التذمر لدى أبناء الكنائس ونداءات تضيع سدى. ما الذي يعيق التوحيد، وهل من خطوة عملية في هذا الاتجاه؟

توحيد الأعياد من المواضيع التي توضع على طاولة البحث في الكنيسة العامة، وليس فقط في كنيسة الروم الكاثوليك. إنه مطلب شعبي، لكنه أكثر عمل كنسي، يتخطى صلاحيات الأسقف المحلي. نعم نحن بحاجة للتفكير في هذا الموضوع وأخذ كل الحيثيات المرتبطة بشكل فعلي فيه. انها ليست وحدة تاريخ أو عشاء عائلي، لأن الموضوع يرتبط أيضا بالمؤسسات في الدولة والكنيسة، وترتيب الأعياد وأهم من ذلك يرتبط بتعامل الكنائس مع بعضها البعض، خصوصا بما يتعلق بالأسرار المقدسة وقبولها من كل الأطراف. ليس الموضوع اذن مظاهر اجتماعية، لأن الأمر يتعلق بجوهر الايمان الحقيقي وهو المحبة المتبادلة بين الأشخاص.

■ هناك مظاهر إيجابية ترافق الأعياد أهمها مشاركة الأخوة المسلمين والدروز في احتفالات اضاءة الشجرة، وتبادل زيارات المعايدة، كيف تنظرون الى تلك العادة؟

في المناسبات والأعياد نلتقي مع اخوتنا المسيحيين وغير المسيحيين. والأعياد تعطينا المعنى الحقيقي للتناغم في المجتمع، التناغم المبني على احترام الآخر. هي لقاء الانسان مع أخيه الانسان. تدل على الوحدة، وحدة المصير في البلد الواحد، وعلينا أن نقف معا لأجل الحصول على حقوقنا الانسانية والدينية. فرح اللقاء مع أخوة لنا، كان تاريخ مشترك لنا معهم، ونحن اليوم بصدد اعادة هذه العلاقات، إلى مجراها الطبيعي لأن فيها عودة الى المبدأ الديني الواحد وهو الله أب الجميع وخالق الجميع. ولدينا مثل شعبي يقول "كل واحد على دينو ألله يعينو"، أو كما جاء في القرآن الكريم "ان أكرمكم عند الله أتقاكم". وهذا شيء رائع اذا فهمنا معناه، فالتقوى هي النور الذي يرشدنا إلى علاقة حقيقية مع الله ومع أخي الانسان.

■ جاء في رسالتكم الرعوية لميلاد هذا العام اهتمام وتركيز على الخدمة بشكل عام والكهنوتية بشكل خاص، لماذا؟

الرسالة الرعوية الميلادية هي توجيه ومعايدة. لكنها مبنية على أسس معينة، الخدمة الكهنوتية هي خدمة الانسان، وهي قائمة على رسالة المسيح لأنه الكاهن الأول، الذي أتى ليَخدُم لا ليُخدَم، من هنا الرعاية هي مسؤولية وكل شخص في الأبرشية خاصة، مدعو لأن يحملها كلّ في موقعه، بدءا من الأسقف رأس الكنيسة، والكاهن في رعيته، ثم الشخص المؤمن في عائلته، مدرسته، وظيفته، ليكون رسولا ومعلما ومبشرا بالقيم الدينية الانسانية للآخرين. وهذا يثبت كلمة المسيح، له المجد، ليروا أعمالكمم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السموات. من هنا الرسالة تعمل على هذه الرؤية بأن نخدم بعضنا البعض بالمحبة والعطاء المتبادل والمشاركة في فرح وألم الجميع، لنكون عائلة واحدة مع المسيح المولود لأجل خلاصنا.

■ ما هي رسالتكم كأسقف في الجليل، لشعبنا العربي الذي ننتمي اليه ونعيش معه يوميًا في السراء والضراء؟ وما هي رسالتكم للعالم؟

رسالة الميلاد أولا هي رسالة فرح نتمناه للجميع أبناء هذا الجليل المقدس الذي خصه الله في الانجيل المقدس، بدعوة خاصة جدا ليكون نورا وسلاما للعالم أجمع. من الناصرة ومن هذا الجليل خرجت بشرى الخلاص لكل انسان ومع نشيد الملائكة "المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة".

أتوجه لكل أبناء أبرشيتي المحبوبين كهنة وعلمانيين ومؤسسات وأتوجه إلى كل أبناء الجليل والأرض المقدسة، هنا وفي العالم بأن يكون عيد الميلاد هذا عيد السلام الحقيقي والنور الذي يوجه كل انسان الى العمل الصالح ولننعم كلنا بالخير والأمن والأمان في هذه البلاد وأن تكون المغارة هي مغارة قلوبنا التي يولد فيها المسيح، له المجد. وبالرغم من الظروف التي نعيشها هذه الأيام، تبقى المغارة مشعّة بالمحبّة والمسامحة والسلام، لأن المسيح دعانا لأن نصنع السلام "طوبى لصانعي السلام فانهم أبناء الله يدعون". أتمنى للجميع أيضًا سنة جديدة ومباركة، بشفاعة أمنا العذراء مريم. أن يكون هذا العيد وكل الأعياد التي تتبع أعيادا فيها المحبة دون حدود، وكل عام والجميع بخير.