موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٣٠ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٩
جدعون حارس لغة الرأي .. وداعاً

حيدر المجالي :

حين يُذكر اسم سلامة جدعون في أي مجلس من مجالس الصحافة، ترتسم على مُحيّا الحضور ابتسامة حب وودّ للزميل الأديب الذي عاين الكلمة والحرف في تدقيق النصوص والمقالات قبل أن تُنشر على صفحات محبوبته الرأي.

هو اللغوي الضليع بلغة الضّاد، الحريص على تجويد النصوص والصفحات بصورة تليق بصحيفته التي أحب الرأي، التي عمل بها ردحاً من الزمن،؛ فعشق أخبارها وطرب لسماع هدير مطابعها، فتشكلت بينه وبين هذا الصرح الإعلامي علاقة خاصة، مدادها محبة الجميع واحترام الصغير قبل الكبير.

كان مدرسة في الأخلاق والتواضع مثلما هو مدرسة في قواعد العربية ومعانيها، فلم يبخل على زملائه الصحفيين بما فتح الله عليه من علم لغوي، فقد تتلمذنا على يديه من خلال الدورات التدريبية التي حاضر فيها بطريقة علمية وعصرية، جعلتنا نندمج في متاهات اللغة ودهاليزها، فلا ننكر الفائدة التي جنيناها من زميل وأستاذ خبير.

لم يحمل في قلبه طوال سنوات عمله في الرأي كرهاً أو ضغينة لأي زميل، فعرفه الجميع بأنه صاحب الإبتسامة والخلق الرفيع والإحترام؛ لكنه كان قاسياً على من يتهاون في اللغة، التي يعتبرها شرياناً حيوياً يُغذي الروح قبل الجسد، ومن لم يطرب للغة السليمة ويتفاعل معها عليه أن يُغادر معينها العذب.

لغته القوية قادته لسبر أغوار الشعر والأدب، فقد صدر له ديوان شعري، كما له نصوص أدبية جميلة؛ والأهم أن شغفه باللغة العربية لا ينازعه فيه أحد، فقد كان المرجع اللغوي للزملاء سواء على الصعيد الشخصي أم لغايات العمل، فلم يبخل بالرد على سؤال لغوي يرده من صحفي أو كاتب، ذلك أنه يحترم اللغة ويريدها أن تخرج نقية زاهية كالماء الزلال.

تعتبر قرية (شطنا) مسقط رأس أبي مازن، ملهمة لفكره وأدبه، فمن بساتينها وأشجارها الباسقة وصفاء ليلها يستمد الأفكار، التي يترجمها نصوصاً غاية في الروعة والجمال، وقد يكون هذا سر قوة لغته التي أحكم ناصيتها باقتدار؛ فهو صاحب دليل الصحفي الذي طبعته الرأي لصحفييها وكتابها، حيث احتوى على الكلمات الخاطئة التي كانت تستخدم بكثرة، كما اشتمل على قواعد خاصة تساعد الصحفي والكاتب على صياغة نصوص صحيحة.

تنوعت أعمال جدعون -رحمه الله- بين التدقيق اللغوي والتحرير والتدريب، فلم يكن يجاريه أحد في هذا المجال، لكن تواضعه كان أكبر من مهارته وعلمه اللغوي، فلم يتكبر على أحد ولم يجرح أحدا؛ بل ظل مسانداً للجميع وعلى تواصل دائم رغم أعباء العمل الثقال.

قلمه الأحمر كان كحدّ السيف، له مهابة عند الجميع، فحين يجلس على طاولته الرحبة بين النصوص المكتوبة بخط اليد، تتابعه الأنظار على تأشيراته وتعديلاته التي عادة ما تحرج الكثيرين، لكنه يمررها بهدوء ودون ضجيج.

لا يمكن أن ننسى قامة لغوية وزميلاً مهذباً مثل: سلامة جدعون، الذي يحمل في صدره الإيمان والخلق، فلم يكن لديه نزعة مذهبية أو دينية، فهو ينظر إلى المجتمع الأردني مسيحيين ومسلمين، إخوة في التراب الأطهر والعيش الأجمل.

ترك جدعون بصمة كبيرة ستبقى في تأريخ صحيفة الرأي، فقد أضحى ظاهرة لن تتكرر، وأيقونة محفورة في صدور محبيه وزملائه؛ حتى بعد أن غادر الرأي وانتقل إلى مواقع أخرى، فحضوره كان الأبرز في المواقع التي عمل بها كافة.

سنفقتد الزميل الكبير أبا مازن، وستظل ذكراه العطرة في مخيلتنا ما حيينا؛ رحمك الله يا ابن اللغة الحصيفة، وتغمدك بواسع رحمته، ولعائلته وآله خالص العزاء.

(الرأي الأردنية)