موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأربعاء، ٢١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
ثقافة المطالعة

د. أيوب أبو دية :

طُلب مني أن أقدم محاضرة لطلبة مدارس تراسانطة في جبل اللويبدة حول ثقافة المطالعة، وعندما شرعت بالإعداد لهذه المحاضرة وقرأت عن كمية إنتاج الكتب في المنطقة العربية مقارنة بالدول المتقدمة تعززت لدي قناعة بأننا دول نامية فعلاً، وعندما تفحصت عدد الساعات التي تُقرأ خارج المنهاج الرسمي الأكاديمي في المدارس والجامعات وجدت أنها تتنوع كثيراً بحيث تتبوأ تايلاند والهند والصين رأس القائمة بمعدل 10 ساعات أسبوعياً، ولكن إذا قارنا هذا بعدد ساعات قراءة الطلبة لمواد خارجية في بلادنا فإن قناعتنا تتعزز بأننا من دول بالكاد تكون نامية حقاً.

فإذا أمعّنا النظر في القارئ نفسه، بوصفه ‘نسانا مميزا، بمعنى أن نتساءل: من هو القارئ؟ نجد أن طرائق المعرفة لدى الإنسان هي التي تختار أنواع الكتب. فعلى سبيل المثال تتحكم العاطفة والمشاعر الغريزية والوطنية والعاطفية في أنواع الكتب التي نقرأها وأنماطها. وطالما أن كل إنسان فريد من نوعه ويختلف عن الآخرين، حتى التوأمان يكون لديهما اختلاف في صفاتهم الوراثية، فإن هذا التنوع سيقود بالضرورة إلى التنوع في اختيار الكتب، فمنا من يتجه نحو الكتابة العلمية أو كتابة الخيال العلمي أو الأدب أو الشعر أو القصة أو الرواية أو كتب التاريخ وسير الأبطال وربما المسرح والموسيقى وما إلى ذلك.

وعندما اقترب موعد المحاضرة حاولت أن أشرع في البحث عن أنواع الكتب التي قرأها أصدقائي وزملائي، ثم توسعت في ذلك لتشمل عينات الدراسة أشخاصاً من فئات عمرية مختلفة؛ وبمرور الوقت توسعت في الدراسة بحيث شملت طلبة مدارس وجامعات في الأردن، ثم انتقلت إلى بلدان أخرى حيث يعيش ويعمل أصدقائي وطلبتي. وكانت النتيجة أن هناك تنوعاً هائلاً في نوعية الكتب التي نقرأها في الأردن مقارنة بدول أخرى؛ صحيح أن هناك بعض الكتب المشتركة مثل كتاب " Da Vinci Code" وكتاب "Animal Farm" وما إلى ذلك، ولكن الغالبية منها كانت من نوعيات مختلفة، إذ يتجه المشرق إلى قراءة ما هو عاطفي ووطني أكثر مما هو واقعي وعلمي.

ولا شك أن هناك دوراً مهماً للبيت والرفاق والمدرسة وثقافة الأمة والدين والتراث في اختيار الكتب المقروءة، علماً أن الكثير من الكتاب والمؤلفين للكتب في مراحل صعود الأمة ركزوا على تاريخ أبطالهم، كما فعل شكسبير في كتابة "تاريخ الملوك"، وكما كتب الأتراك عن أتاتورك والفرنسيون عن نابليون وغيرهما؛ وتساءلت أمام الطلبة إذا كان ينبغي علينا أن نقرأ لأبطال أمتنا كما فعلت الحضارات الأخرى؟

إنّ بعض ابطالنا نقرأ عنهم في سياق تاريخ العرب والمسلمين كخالد بن الوليد وغيره وذلك في سياق أكاديمي منهجي، ولكننا نريد أيضاً قراءة أبطال الأمة في العصر الحديث، كالتعرف إلى بطولات عمر المختار وعبد القادر الجزائري وإبراهيم أبو ديّة وعبد القادر الحسيني، وصولاً إلى المناضلة عهد التميمي التي أصبحت أيقونة الانتفاضة الفلسطينية في هذا الزمن.

وفي النهاية حاولت أن أقدم رؤية لكيفية قرأة الكتب، وتقدمت بالنصح علني أكون قد أصبت الوصف وأفدت الطلبة من حيث أنه ليس من المطلوب أن نقرأ الكتب من البداية حتى النهاية كما فعلت الطفلة المغربية مريم أمجون عندما قرأت 200 كتاب في سنة 2017 وشاركت بالمنافسة في 60 كتاباً منها وفازت بلقب بطلة القراءَة العربية، على الأقل في هذه المرحلة من تاريخ حياة الطلبة في الصفوف الإعدادية والثانوية، فالمطلوب التعرف إلى هذه الكتب وقراءة المقدمة وأي تقديم كتب عنها والشروع في قراءة الكتاب للتعرف إلى أسلوب الكاتب وفكرته، وربما التوقف قليلاً للاستراحة والتأمل قبل إنهاء الكتاب، أو ربما ترك الكتاب جانباً والشروع في قراءة آخر، وهكذا، حتى نتوسع في معارفنا؛ وعندما نصل إلى مرحلة تستدعي أن نستعيد تلك المعلومة، عندها نعود إلى ذلك الكتاب ونقرأه مرة أخرى إذا رغبنا في ذلك.

ختاماً نقول إن عدد الكتب التي تنتج في الأردن سنوياً محدودة جداً، وهي نحو 1% مما تنتجه تركيا على سبيل المثال، مع أن الفرق في عدد السكان هو ثماني مرات فقط؛ وتركيا دولة نامية مثلنا، فإذا قارنا ذلك بما ينتجه الغرب المتقدم فإننا نقطة في بحر، ولكن لا بأس، فليس المطلوب أن ننتج العدد الكبير من الكتب وإنما أن ننتج النوعية الجيدة من الكتب؛ ولا بأس كذلك في اختيار الكتب الغربية بلغتها الأم إن استطعنا أو تلك المترجمة بشرط أن تكون ترجمتها جيدة على يد مترجمين يشار إليهم في ذلك المجال حتى لا يتم تأويل النص وتحريفه.

وهكذا نستطيع القول إن القراءة والمطالعة مسألة محببة ليست فقط للتوسع في الثقافة، بل لتمرين الدماغ على الاستيعاب والحفظ والتفكر، وتوسيع نطاق الخيال والحدس وتقوية اللغة، وهذه كلها لا يمكن تحقيقها إلا بممارسة المطالعة. وفي أحدث دراسة محكمة نشرت تبين أن الطلبة الذين يقرؤون خارج المنهاج يكون أداؤهم ومستقبلهم المهني أفضل بكثير من الطلبة الذين يحصرون دراستهم في كتبهم المنهجية ضيقة الأفق.

(الرأي)