موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٢ فبراير / شباط ٢٠١٥
ثقافة القواسم المشتركة.. منعة وطنية

د. بسام الساكت :

معذرة. لست ممن "تخصصوا" في علوم الدين، لا في علوم ديننا الإسلامي العربي ِّالحنيف، ولا في ديانات أهل الكتاب، لكنني ادركْتُ مبكراً ان من يمنّ الله عليه بالرضى، يفقِّهُه في الدين. فنُلتُ نعمةً عظيمة من ربي حين مكَّنني من تزويد نفسي بمؤونة التواصل والاطّلاع على شرائع وروحانيات أمم أخرى، حصدت من ذلك كلّه، «تمتين يقيني بوحدانية الخالق، وبوحدة أبناء سيدنا آدم، وأقمت في نفسي ركائز إيمان ومنطقيات، لا أنشدُ من إتباعها إلاّ رضى الخالق و حسن التعامل مع بني الانسان، وبالتالي آملاً حُسنَ الخِتام».

ولابد لي ان اذكر، باديء ذِي بِدْء، أن ما حفّزني على تدوين ما يدور بخلدي والإفصاح عنه بسطور محددة هنا، يقع في باب أنني «أحاول» ان اجتهدَ، من بعد ما أُشاهد وأسمع من سلوكيات فيها تعدٍ وتجاوزٍ ، في بلاد العرب والإسلام ، وأبعد، على الحدود، وسلوكيات عُنفٍ بغيضة ، ربما «بعض» مبعثها تدني المعرفة والجهل وقد يكون وراءها و مبعثها، وبالتالي مُنتَجُها مُفبرك، في حاضنات غير بريئة ، فكانت مُحصِّلَةُ ذلك كلّه على اهل الاسلام ، عرباً ومسلمين ، سلبية. فترانا اليوم نشاهد كيف ترسم صورة» نمطية» سلبيه عنّا في بلاد الغرب وأبعد ، ويدمغ قومنا وأهل الاسلام ورسالاتها ، بالتطرف والعنف. وها نحن ندفع ثمناً بالغاً يحتاج وعياً، كما يحتاج تغييره جيلا، وجهوداً وسلوكيات متواصلة من قِبَل ًفئةِ الصالحين والعالمين بيننا - أهلُ القلم والمعْرفة:

اولا: لقد وُلِد الانسانُ بِفِطْرَته مُسْلِماً لله في شؤونه ، وسيدنا إبراهيم عليه السلام ، ابو الأنبياء ، كان اول المسلمين، وقبل أنبياء الله الآخرين، سلام الله وبركاته عليهم أجمعين ،أمثال موسى وعيسى ويحيى وزكريا وايوب َ وشعيب وغيرهم . وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : المُسْلِمُ من سَلِم المسلمون من لسانِه ويده، والمهاجِرُ مَنْ هَجَرَ ما نهى الله ُ عنه».

ثانياً: حملت إلينا ، في منبتنا ،بلادنا ، الكتب السماوية كنوزا وثروات «وقواسم مشتركة «هي قيم نبيلة ومؤونة من الصَلاح تهذِّب سلوكنا مع أنفسنا ، ومع بَعضنَا البعض في الدنيا، عبوراً نحو آخرةٍ ، ثوابها حسن. ومنها : المحبة والاخوّة البشرية ، والإعتدال والإبتعاد عن القتل والعنف وحسن المعشر مع الزوج والابن والجار وذوي القربى والضيف وإكرام اليتيم والفقير والأسير ، وتجنب الكذب والأذى ، والدعوة للعقلانية ولسبيل الله ، والمجادلة بالحكمةِ وبالتي هي أحسن ، مع الناس وأهل الكتاب ، والاِبتعاد عن التطرّف والتعصب والتكفير والقتل . قال تعالى : خُذْ العفوَ وأْمُر بالعُرْفِ واعْرِض عن الجاهلين « وقال رسول الله (عليه السلام ) : ألا أنبئكم بخير اًعمالكم وأزكاها عند مَليكِكُم وأوقعها في درجاتكم ، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضه ، وخيرٌ لكم من أن تلقوْا عدوكم فتضرِبوا أعناقكم « ؟ قالوا بلى،قال ، ذِكْرُ الله تعالى»-(للترمذي) .

ثالثاً: ولقد ضرب لنا أنبياء الله أمثلةً عالية الشأن في حُسن المعاملة والسلوك المنسجم مع ما جاءوا به من رسالات. فكانوا القدوة الحسنة للبشر حتى يومنا هذا ، وماأحوجنا الى تلك الأمثلة والشواخص الحسنة اليوم علاجا لأمراض الأمة.

رابعاً : إن «جمع» القواسم المشتركة بين الأديان السماوية «وتبويبها»، يُعدّ بنظري «في هذه المرحلة « أمراً ذا اولويةً للأمن الاجتماعي والسياسي .نعم هناك في الأمور الروحية بين الناس، بعض الإختلاف وبعض الشبهات، لكن مايجمع البشر ، هو أكبر. وتعلو اليوم ، في هذه المرحلة، مهمة «حصر القواسم المشتركة»، على مهمة «حصر الشبهات». ذلك ان الأمة العربية والإسلامية مُمْتَحنةٌ في الداخل ومنكوبة بالقلّة ممن خروجا على شواخص الدين والكتب والقيم السماوية السمحة، خروجا في المسلك والدعوة والمنهج . ناهيك عن نكبتنا في إحتلال ديارنا في فلسطين. فاتُّهمت امتنا العربية والإسلامية ،وهي نبع الديانات والتي صدَّرت للعالم الهدى وألدين القيِّم ، لقد إتُّهمت بأنها أمة التطرّف والإرهاب والعنف. وأنكى من ذلك كلّه ما تفوَّه به وتجرأ عليه بعض الساسة في الغرب، أخيراً في دعوة مشبوهة لإصلاح ديننا ،متناسين سجل أمتنا الأفضل من سجلهم في مجال التآلف بين أصحاب الأديان ، معتبرين الاسلام حاضنة ومؤونة كلّ المتطرفين الذين تنقل على وسائل الاعلام جرائمهم. كما أنهم يتهموننا جميعاً بالعنصرية والتحيُّز ضد إخوتنا واهلنا أتباع سيدنا المسيح عليه السلام والإكرام، متذرعين مستشهدين بأفعال وأقوال القلِّة الشذوذ بيننا.

خامساً: إنني وفي ضوء مانراه من فراغ في «المعرفة بالقواسم المشتركة» «الجامعة بيننا عرباً ومسلمين»، فالحاجة لتوعية الشباب بها، ثقافة لتعود فينا منهج سلوك وحياة، في المناهج والاعلام المدروس، وفي مساجدنا التي تجاوز عددها الستة آلاف، وأخرى كثيره وفي الكنائس، فهى بيوت لله طيبة يجب إعادة إستثمارها وتوظيفها، كما عرفناها دوماً، في تثقيف إسبوعي للشباب في خطبة الجمعة والأعياد، ومن قبل أئمة ً قدوة ذوي عقل ودين وحوكمة ورشد. وبذلك نسهم في مهمة مقدّسة تصون الأهل والبلاد وتدفع الضرر.

سادساً: صدق الخالق حين قال: النفس أمّارةٌ بالسوء. فلايجوز بل لا يُعَدُّ معقولا أن يقوم مخلوق بوصم مخلوق آخرَ، إختلف معه برأي أو زلّ سلوكه جرّاء ذنب أو معصية، أن يوصم بالكفر والخروج على الدين. إنها مبالغة غير مقبولة فالناس والبشر بطبعهم خطّاؤون، والله غفور رحيم . كما قال جلّ جلاله: وإًن ربك لذو مغفرةللناس على ظلمهم. وقال رسولنا العربي محمد صلى الله عليه وسلم "من قال لاخيه كافر فقد باء بها احدهما (البخاري)

سابعاً: إننا في بلدنا الاردن الغالي، محظوظون، رغم ضيق الحال، إننا في بلد بارك الله حوله، عزمه كبير، ينعم بالإنسجام المدني والإنساني، محاط بحماية الله وحوكمة قيادة من آل هاشم، نسبها عربي نبويّ كريم ،في دولة مدنيّة يعيش فيها المسلم والمسيحيّ، جعل الله بينهم مودة ورحمة، مكرّمين. و هو بلدُ «قمرُ آل البيت»، يجمع ويحتضن كلّ الأهِلّه والمذاهب الاسلامية وأضرحه صحابة رسول الله، جعفر الطيّار، وزيد بن ثابت وَعَبَد الله بن رواحه، رضي الله عنهم، كما أنه ينشد التطور والحداثة مع الإحتفاظ بصلاته الموثّقة العميقة والممتدة في التاريخ، متواصلة مع سيرة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم. كما أن تشريعه ودستوره المدني «يرتكز منبعه جوهريا« على الاسلام الحنيف الذي بنيت عليه دولة الاسلام. فلا غرو أن الله مع الاردن رغم الشدائد والمحن.

ثامناً: بالطبع فإن ما ورد في أعلاه يحتاج الى «ناظم « لجهد وطني متواصل يسند جهودالتطوير والإصلاح، في بيئة تَرفَع سيادة القانون، وتُسْتَخْدَم فيه السلطةَ بعدالةٍ من قِبَل القدوة الحسنة، و تُحتَرَمُ فيها كرامة المواطن وحريته، وتُحْمى وتصان ملكياته وحقه في عيش كريم، في بلدٍ متمسك بشواخصه السماوية، متواصل مع العالم، متوكل على الله. عندئذٍ تتعزز حقاً مناعته الداخلية ويصعب على الغير إختراقه.