موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٢ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٦
توحيد الاحتفالات الدينية بين الكنائس

عيسى جميل قسيسية :

من أهم اللحظات التي شهدتُها والتجارب التي خضتُها بوصفي سفيرًا لدولة فلسطين لدى الكرسي الرسولي كانت الصلاة المسكونية بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة اللوثرية التي جرت في 31 تشرين اول 2016 في مدينة لوند السويدية تخليدًا للذكرى المئوية الخامسة لحركة الإصلاح الإنجيلي. ويجسّد هذا اللقاء التاريخي بين قداسة البابا فرنسيس والقيادات الإنجيلية العالمية الطريق الذي يعتزم قداسته اتباعه بغية تحقيق الوحدة بين الكنيسة الكاثولكية والكنيسة اللوثرية.

في الحقيقة بدت علامات التقدم نحو الوحدة بين الكنائس المسيحية ظاهرة أثناء قدوم قداسة البابا فرنسيس حاجَاً إلى الأراضي المقدسة عام 2014 ولقائه التاريخي مع البطريرك المسكوني، ورئيس أساقفة القسطنطينية برثلماوس في مدينة القدس الشرقية. وقد شكّل هذا اللقاء بين رؤساء الكنائس الشرقية والغربية والذي انعقد في كنيسة القيامة في قلب المدينة المقدسة نقطة تحوّل حاسمة، وستبقى ذكراها عالقة في عقولنا لا سيما وأنها كانت تهدف إلى وحدة الكلمة، ووحدة الكنيسة كما أراد ذلك سيدنا يسوع المسيح.

لقد جاء اللقاء بين قداسة البابا فرنسيس، وسيادة المطران منيب يونان – اللاجئ الفلسطيني الذي كان له شرف خدمة شعبه من خلال منصبه رئيساً للكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأراضي المقدسة والأردن ورئيسًا للاتحاد العالمي اللوثري للكنائس الإنجيلية اللوثرية – استمراراً لنهج الشراكة نحو الشراكة والوحدة المسيحية. واليوم ونحن نحتفل في أجواء أعياد الميلاد المجيد نبتهج بهذه اللحظة التاريخية الحاسمة في تاريخ الكنيسة في الأرض المقدسة.

أفسس 4:3-4: "مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام ، جسد واحد وروح واحد."

وفي الأعوام القليلة الماضية، شهدنا نحن في فلسطين، وخاصة في مدينتي القدس وبيت لحم، اتفاقاً كنسياً لترميم كنيسة المهد، التي كانت في حالة تستدعي التحرك السريع لترميمها، وقبر السيد المسيح عليه السلام في كنيسة القيامة. واستناداً إلى هذا الاتفاق، والتفاهمات تستمر الكنائس المختلفة في السير على طريق الاتحاد والتآزر. ونفتخر نحن الفلسطينيون بمساهمتنا في ترميم الكنيستين اللتان تشكلان جزءاً لا يتجزأ من التراث الديني، والوطني في فلسطين. ومن ضمن الجهود المرتبطة بترميم الكنيستين تمّ تشكيل لجنة رئاسية عليا كي تقود عملية الترميم في كنيسة المهد. وفي هذا السياق وهذا العام بعد انقضاء خمسمئة عام من الخلافات التأمت الكنائس اللوثرية والكنائس الكاثوليكية وحوّلت نزاعاتها إلى جهود متضافرة نحو التعاون والوحدة، وفي العام 2014، اتبعت الكنائس الأرثوذكسية، والكاثوليكية النهج ذاته.

يحدوني الأمل لاتخاذ خطوات متسارعة كي تجتمع الكنائس الموحّدة من أجل إقامة صلاة مسكونية واحدة في المكان الذي وُلد فيه السيد المسيح، وصعد الى السماء، ونشر كلمته، وأسّس فيه كنيسته الأولى.

في الواقع قدمّت فلسطين وما تزال رسالة طيبة للعالم عن الوحدة بين الأديان، وتعتبر هذه الرسالة نموذجاً للتعايش المسيحي-الإسلامي تحتذى في منطقتنا، وتتعرف من خلاله على الطرق التي يحتفل بها المسيحيون والمسلمون معاً بالأعياد المسيحية مثل عيد الميلاد، وعيد القيامة، والتي هي جزء من الأعياد الوطنية ، ويحضر رئيس دولة فلسطين محمود عباس كما كان الرئيس ياسر عرفات كل عام بالاحتفالات الميلادية الكاثوليكية، والأرثوذكسية، والأرمنية في بيت لحم.

وفي واقع الأمر، شهدنا في السنوات الأخيرة مبادرات حقيقية قامت بها الطوائف المسيحية المختلفة في عدة أماكن في الأرض المقدسة بتوحيد الاحتفالات بعيد الميلاد بحسب التقويم الغربي والاحتفالات بعيد القيامة بحسب التقويم الشرقي. ونأمل أن تصل قريباً جدًا عدوى توحيد الأعياد إلى مدينة القدس كي نتمكن من المشاركة معاً في الاحتفالات بالأعياد في قلب حارة النصارى في البلدة القديمة مع كافة المجموعات الكشفية.

ومثل الكثير من الفلسطينيين المسيحيين المقدسيين أتطلع إلى تجسيد الوحدة المسيحية في الممارسة العملية وفي الروح، وفي الواقع ترغب بشدة المجتمعات الفلسطينية المحلية في الاحتفال بعيد الميلاد وعيد الفصح متحدة بالروح – روح ولادة السيد المسيح في مدينة بيت لحم، وروح صلبه، وقيامته في مدينة القدس. كما نأمل بتوحيد المدينتين اللتين تمزقهما شبكة من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، والجدار، والحواجز العسكرية.

نعيش في أوقات عصيبة، ومعقدة فيما يرتبط بوجود الفلسطينيين المسيحيين، وحضورهم في الأرض المقدسة نظراً لهجرة أعداد كبيرة منهم إلى دول أخرى بسبب الأوضاع السياسية المتقلبة والركود الاقتصادي، إضافة إلى ظهور الجماعات المتطرفة وانتشارها في منطقة الشرق الأوسط، وضمن هذا السياق نرى أن وحدة الكنائس المسيحية مطلب أساسي وضروري لمستقبل المسيحيين في منطقتنا.

خمسون عاماً مضت على الشعب الفلسطيني وهو يقبع تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، ولذلك فإن وحدة الكنائس المسيحية من شأنها أن تجلب الأمل لأقدم الجماعات المسيحية في العالم. فلنأمل أن يسطع نور العدالة والسلام وأن يُشرق نور المنطق والمحبة من فلسطين، من الأرض المقدسة، كي يشمل الشرق الأوسط والعالم أجمع. فهذه هي إرادة الله، وهي أيضًا الرسالة التي يرسلها كل مؤمن يعيش في الأرض المقدسة.

فالوحدة والعدالة والسلام جميعها بركات أنعم الله علينا بها تسعى الكنائس المسيحية لتحقيقها.

فلنسعى جاهدين لتحقيق الوحدة بين الكنائس بغية ضمان استمرار وجود المسيحية الشرقية في فلسطين، فوجود المسيحيين الشرقيين في فلسطين كنز يفتخر به الشعب الفلسطيني. أمّا التحديات فهي كثيرة ومنها تضاؤل عدد المسيحيين الفلسطينيين بسبب الممارسات الإسرائيلية التعسفية بما في ذلك مصادرة أراض في الفترة الأخيرة تملكها أكثر من 50 عائلة فلسطينية مسيحية في منطقة الكريمزان في مدينة بيت جالا، ونتيجة لمثل هذه الممارسات تضطر العائلات المسيحية لمغادرة أرضها ووطنها مما يهدد الوجود المسيحي في فلسطين.

فالحجارة الحيّة في فلسطين لا تستحق أقل من التمتع بالمواطنة الكاملة، وبالعدالة والطمأنينة والمساواة والأمن والمحبة والسلام في أرض السلام، في فلسطين، في الأرض المقدسة.