موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٩ مارس / آذار ٢٠١٧
تعزيز ثقافة الحوار ضرورة مجتمعية

د. محمد القضاة :

لم يعد خافيا ما يواجهه جيل الشباب من تحديات أخذت منه استقراره النفسي وسرقت منه اساسيات الحوار وجاءت على الأصول الحقة التي بُني عليها في المراحل التي تسبق الجامعة ليفاجئ باعلام من نوع اخر يستقطبه في استرخائه وانفعاله ومحاضرته لحظاته كافة، وهو ما يقوده الى حوارات صارخة وافكار تبدو احيانا مزعجة، مما يشكل ردات فعل غير متكافئة بينه وبين الجيل الذي يكبره بالتجربة والخبرة وأحيانا المعرفة مما يتطلب إعادة صياغة شروط الحوار على قاعدة تعزيز ثقافة الحوار وتشجيعها دون مساسٍ بجوهر جموحهم وهوسهم بوسائل التواصل الجديدة التي وفرتها هواتفهم الذكية.

ثقافة الحوار وتعزيزها لا تتم بمعزل عن تغيير قواعد الحوار والاعتراف بفشل الحوار القديم الذي لا يقيم وزنا للشباب ولا يعترف بمنجزاتهم وافكارهم وأطروحاتهم، وهذا يتطلب من الحوار أخذ ابعاد جديدة للتغيرات الكثيرة التي قلبت المفاهيم وغيّرت قواعد اللعبة، ولا بد في هذا الاطار من مواجهة التعصب والانغلاق وعدم التسامح بتعزيز ثقافة الحوار لبناء جيل شاب يحتاج وباستمرار الى ثقافة الحوار، الحوار الحر المسؤول الذي يسمح له أن يبدي رأيه بأريحية وحرية، بحيث لا يحتاج الى قمع رأيه، وكأنه يتحمل مسؤولية كل ما يجري في المجتمع وأروقته، يحتاج الى عقول مفتوحة وصدور واسعة تتحمل رأيه حتى لو كان قاسياً، وإلا كيف سنبني جيلاً واعياً قادراً على تحمل المسؤولية، يحتاج الى ثقافة شمولية ليس في الندوات والورش المتخصصة التي تعالج قضاياه وحسب؛ وإنما يحتاج الى ثقافة حوارية داخل غرفة المحاضرة، مع أساتذته وزملائه وأقرانه، يحتاج الى فكر أبوي وأسري يشعره بقيمته ووجوده، يحتاج الى فكر وطني حقيقي يعزز في نفسه حب الوطن ويشعره أنه من نسيج هذا الوطن وأرضه، يحتاج الى رؤية واضحة ممن يتعاملون معه بحيث لا تقصيه وترفض أنشطته وأفكاره، يحتاج الى عاملين يعرفون قيمة الحوار معه، ويدركون أهمية استقطابه وتنمية إبداعه، ولا يحتاج ان يقرّع على كل وجهة نظر لا تعجب غيره، والا كيف سيتعامل مع جامعته وزملائه ومجتمعه ووطنه. اننا أمام مشكلة حقيقية تتمثل في غياب ثقافة الحوار بين جيل الشباب والاجيال، وغيابها يستشري بين طلابنا وتحتاج إلى دراسة جادة كونها ظاهرة بدأت تمتاز بالشدة والقسوة والتمرد على الواقع وتخطي حدود العرف والتعدي على القيم والاخلاق والحياد عن الفطرة الإنسانية الراقية التي تستدعي استخدام العنف وتهديد الآخرين وإلحاق الأذى اللفظي أو البدني والأضرار المادية والمعنوية ببعض الشباب والقيم المجتمعية.

وتعد هذه المرحلة أخطر المراحل العمرية وأهمها ، لأنها مرحلة البناء والإنتاج والعطاء والزهو والعنفوان والقوة ويمتلك فيها الشاب نشاطاً وحيوية وحماسة قد تجعله مهيئاً للقيام بما يكلف به، ولذلك ، يرتبط العنف بصفة خاصة بهذه المرحلة وسواء أكانت دوافعه وأسبابه داخلية محلية أم خارجية؛ فانه ينال من مقدرات المجتمع ويعيق تقدمه، والضحية هذه الفئة التي يغرر بها بفعل عوامل متشابكة يعاني منها الشباب وتحول دون تحقيق أهدافهم ورغباتهم وحاجاتهم أو إثبات ذاتهم، وأشكال العنف التي تنتابهم كثيرة، منها البسيط الذي لا يتجاوز غضب الآخر، ومنها الشديد الذي يصل الى محاولة إيذاء حياة الآخر، وعليه لا بد من التعرف على ماهية هذه الظاهرة ودلالاتها والكشف عن طبيعتها في الاتجاهات الفكرية المعاصرة، ورصد أسبابها والوقوف على أبعادها واستكشاف آثارها المترتبة على انتشارها، وبالتالي استشراف أسس المنظومة التربوية وركائزها وملامحها للتصدي لهذه الظاهرة وتلمس مسارات علاجها، وأهم عوامل النهوض بهذه الفئة العمل على فتح نوافذ الحوار المتمدن ونشر ثقافة الحوار التي تتطلب من الشباب أن يتخلوا عن المراهنة والخوف واعلان آرائهم وتربيتهم على الجرأة في قول الحق دون الحاجة الى التملق والمديح المنافق واستيعاب الآخر واحترام رأيه وحقوقه، وتفعيل البحث عن الموضوعية بعيداً عن الأنانية والذاتية، عن طريق تقييم الحوار والاعتراف بوجود الآخر المختلف واحترام حقه في الدفاع عن رأيه وموقفه، وفهم الآخر والتفاهم معه لا يتحققان دون أن تتسع ذواتنا وأنفسنا له، والحقيقة ليست في الأنا وإنما تتكامل مع الآخر، لأن الحوار مع الآخر هو الذي يكشف ذاتنا وحقيقتنا، ولذلك على الشاب الذي يعتد بذاته ونفسه أن يعترف بزميله ويسمع رأيه حتى نحقق قدراً بسيطاً من ثقافة الحوار، وثقافة الحوار لا تتم من طرف واحد، ولا تنطلق من ثقافة سطحية وقشور غير ناضجة، وإنما تحتاج الى وسائل اعلامية اشهارية تضعه في قمة اولوياتها، والى ندوات وقراءات ومحاضرات ثقافية تعقد لهم بين حين وآخر، لكي يعتادوا على حوار علمي مبني على معلومات صحيحة وسليمة، وهذا يتطلب استغلال أوقات فراغهم في القراءة والمطالعة بجد وتعب ومعرفة وعلم وصبر؛ خاصة أن الشاب يندفع ويتسرع في اتخاذ رأيه وموقفه دون أن يدرك أنه يحتاج الى تأمل وتأن وطول بال. وثقافة الحوار تتطلب من الطرف الآخر الذي يحاوره ألا يكون واعظاً على منبره بمقدار ما يكون صديقاً سميراً صادقاً في أطروحاته وأفكاره بحيث يستطيع تقريب المسافات وردم الهوة مع هذا الجيل لاستيعابه وتثقيفه وتعليمه أسلوب الحوار الحضاري الراقي القائم على احترام الراي الاخر وتقديره.

(جريدة الرأي الأردنية)